حديث: ما يُحرِّم من الرضاعة ما فتق الأمعاء في الثدي قبل الفطام

📚 كتب الحديث | 🔍 صحة حديث | 📖 الأحاديث الصحيحة

باب ما جاء أن الرضعات المحرِّمة هي الخمسُ للصغير دون الحولين

عن أم سلمة قالت: قال رسول الله ﷺ: «لا يُحرِّمُ من الرضاعة إِلَّا ما فتقَ الأمعاءَ في الثديّ، وكان قبل الفِطام».

صحيح: رواه الترمذيّ (١١٥٢) والنسائي في الكبرى (٥٤٤١) كلاهما عن قُتَيبة، حَدَّثَنَا أبو عوانة، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن فاطمة بنت المنذر، عن أم سلمة فذكرته.

عن أم سلمة قالت: قال رسول الله ﷺ: «لا يُحرِّمُ من الرضاعة إِلَّا ما فتقَ الأمعاءَ في الثديّ، وكان قبل الفِطام».

شرح الحديث:

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
حياكم الله و بياكم، ونسأل الله أن يفتح علينا من فضله، وأن يرزقنا الفهم في دينه.
هذا الحديث الشريف الذي ذكر هو حديث صحيح رواه الإمام الترمذي في سننه، وقال: حديث حسن صحيح. وصححه أيضاً الإمام ابن حبان وغيره من أهل العلم.

أولاً. شرح مفردات الحديث:


● يُحرِّمُ: أي يوجب التحريم، بمعنى أنه يثبت حرمة المصاهرة التي تثبت بالنسب، فيحرم به من يحرم من النسب.
● الرَّضاعَة: هي مص الرضيع للبن المرأة من ثديها.
● فَتَقَ الأمعاءَ: استعار النبي صلى الله عليه وسلم هذه العبارة للدلالة على شدة وصول اللبن إلى جوف الصبي وتغذيته به، بحيث يكون له تأثير قوي في إنشائه ونموه، كالطعام الذي يصل إلى الأمعاء ويغذي البدن.
● في الثَّدي: أي من المص直接从 الثدي، لا من إناء أو وعاء.
● الفِطام: هو انقطاع الطفل عن الرضاع واعتياده الطعام المعتاد.

ثانياً. شرح الحديث:


بيَّن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث الشريف الشرطين الأساسيين لثبوت حرمة الرضاع، وهي:
1- أن تكون الرضاعة مما "فتق الأمعاء": أي أن يكون اللبن قد نزل إلى بطن الطفل واغتذى به حق الاغتذاء، بحيث يكون له تأثير في تغذيته وتقويته، وهذا يتحقق بمص اللبن من الثدي مباشرة وبلعه.
- ويدخل في ذلك أن تكون الرضاعة مشبعة، بحيث تصل إلى درجة تُغني عن الطعام، وتقوم مقامه في التغذية.
- وهذا الشرط يخرج ما لو مص الطفل قليلاً ثم ترك، أو لم يبلع اللبن، فإنه لا يثبت به التحريم.
2- أن تكون الرضاعة "قبل الفطام": أي في زمن الرضاع المعتاد، وهو ما دون السنتين، كما قال الله تعالى: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ} [البقرة: 233].
- فإذا تجاوز الطفل سنتين، ثم رضع من امرأة، فإنه لا يثبت به التحريم، لأنه صار خارج وقت الرضاع المؤثر.
فالحديث يوضح أن الرضاعة المحرِّمة هي التي تكون في زمن الرضاع (قبل الفطام)، وبكمية مؤثرة تغذي الطفل وتقوم مقام الطعام (فتق الأمعاء).

ثالثاً. الدروس المستفادة والفقه في الحديث:


1- الرضاع المحرم له شروط: فلا كل رضاعة تحرم، بل لابد من توفر الشروط التي ذكرها النبي صلى الله عليه وسلم.
2- الحكمة من تشريع الرضاع المحرم: كما أن الرضاع يغذي البدن وينبت اللحم، فكذلك يثبت به حكم النسب في التحريم، تصريحاً بالمقصود ودفعاً للشبهات.
3- الاهتمام بضبط مسائل النسب والحرمة: لأنها تتعلق بأحكام الأسرة والزواج، فيجب التثبت فيها وعدم التساهل.
4- من الفقه المستنبط: أن الرضاعة من غير الثدي (كأن تحلب المرأة اللبن ثم يسقى للطفل) مختلف فيها بين العلماء، والأحوط اعتبارها إذا حصلت في زمن الرضاع وكانت مشبعة.

رابعاً. معلومات إضافية مفيدة:


- أجمع العلماء على أن الرضاع المحرم يثبت به ما يثبت بالنسب من تحريم الأمهات والأخوات وغيرهن.
- عدد الرضعات المحرمة: اختلف العلماء في العدد، والمشهور عند الجمهور أنه خمس رضعات مشبعات، كما في حديث عائشة رضي الله عنها.
- هذا الحديث من الأدلة على دقة الشريعة ومراعاتها للأسباب والحِكَم.
أسأل الله أن يفقهنا في الدين، وأن يعلمنا ما ينفعنا، وينفعنا بما علمنا، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
📝 تنبيه هام:
نرحب بتصويباتكم! إذا وجدت أي خطأ في نص الحديث أو السند أو الشرح، فيرجى إبلاغنا عبر صفحة الاتصال:
"مَنْ سَنَّ فِي الإِسْلَامِ سُنَّةً حَسَنَةً فَلَهُ أَجْرُهَا وَأَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا"

تخريج الحديث

رواه الترمذيّ (١١٥٢) والنسائي في الكبرى (٥٤٤١) كلاهما عن قُتَيبة، حَدَّثَنَا أبو عوانة، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن فاطمة بنت المنذر، عن أم سلمة فذكرته.
إسناده صحيح، وصحّحه أيضًا ابن حبَّان (٤٢٢٤) ورواه من وجه آخر عن أبي عوانة مختصرًا.
وقال الترمذيّ: «هذا حديث حسن صحيح. والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم من أصحاب النَّبِيّ ﷺ وغيرهم، أن الرضاعة لا تُحرِّم إِلَّا ما كان دون الحولين، وما كان بعد الحولين الكاملين فإنه لا يُحرِّم شيئًا».
وفاطمة بنت المنذر بن الزُّبير بن العوّام هي امرأة هشام بن عروة، ولكن اختلف على هشام بن عروة فرواه عنه أبو عوانة هكذا مرفوعًا، وخالفه وهيب وهو - ابن خالد بن عجلان - فرواه عن هشام بإسناده موقوفًا على أم سلمة. رواه إسحاق بن راهويه (٤/ ١٧٥) عن المخزوميّ، نا وهيب به.
وكذا خالفه يحيى القطان، فرواه عن هشام، عن يحيى بن عبد الرحمن، عن أم سلمة موقوفًا.
ذكره الدَّارقطنيّ في «العلل» (١٥/ ٢٥٥) وقال: «قول يحيى أشبه».
قال الأعظمي: هشام بن عروة له شيخان: أحدُهما: فاطمة بنت المنذر زوجته وهي رواية أبي عوانة المرفوعة وهي أشبه بالصواب لأنها من روايته عن زوجته. ولكن يعكره ما رواه وهيب بن خالد وهو ثقة أيضًا - موقوفًا.
فلعل فاطمة بنت المنذر تروي مرة مرفوعًا، وأخرى موقوفًا. والحكم للزيادة.
وأعله ابن حزم في «المحلى» (١١/ ٢٠٢) بالانقطاع بين فاطمة بنت المنذر - وبين أم سلمة فقال: وُلدتْ فاطمة سنة (٤٨ هـ) وماتت أم سلمة سنة (٥٩ هـ).
قال الأعظمي: هذه العلة غير قادحة؛ فإن فاطمة كان عمرها (١١ سنة) وهي كانت بالمدينة فلقاءهما ممكن.
وأمّا رواية يحيى القطان ففيه يحيى بن عبد الرحمن لم أعرف من هو؟ وفي الإسناد أيضًا انقطاع فلا يعتمد عليه.
وقد صحح هذا الحديث أيضًا الحاكم، وابن القيم، وسكت عليه الحافظ في الفتح بعد أن نقل حكم الترمذيّ بأنه: حسن صحيح.
وقوله: «فتق الأمعاء«أي شقَّها، ودخل فيها بحيث صار غذاء للولد.
وقوله: «في الثدي«أي في زمن الثدي.
قال الحافظ ابن القيم في زاده (٥/ ٥٨٠): «وهذه لغة معروفة عند العرب، فإن العرب يقولون: فلان مات في الثدي، أي: في زمن الرضاع قبل الفطام، ومنه الحديث المشهور: «إن إبراهيم مات في الثدي، وإن له مُرْضِعًا في الجنّة تُتِمُّ رضاعَه» يعني إبراهيم ابنه صلوات الله وسلامه عليه، قالوا: وأكد ذلك بقوله: «لا رضاعَ إِلَّا ما فتقَ الأمعاءَ، وكان في الثدي قبل الفِطام».
وفي الباب ما رُوي عن ابن عباس قال: قال رسول الله ﷺ: «لا رضاعَ إِلَّا ما كان في الحولين».
رواه الدَّارقطنيّ (٤/ ١٧٤) والبيهقي (٧/ ٤٦٢) كلاهما من حديث أبي الوليد بن برد الأنطاكيّ، نا الهشم بن جميل، نا سفيان، عن عمرو بن دينار، عن ابن عباس فذكره.
قال الدَّارقطنيّ: «لم يُسنده عن ابن عيينة غير الهيثم بن جميل، وهو ثقة حافظ».
ونقل البيهقيّ عن ابن عدي أنه قال: «هذا يعرف بالهيثم بن جميل، عن ابن عيينة مسندًا، وغير الهيثم يُوقِف على ابن عباس».
قال الأعظمي: وهو كما قال: فقد رواه سعيد بن منصور، عن ابن عيينة موقوفًا.
والهيثم بن جميل وإن كان ثقة حافظا كما قال الدارقطنيّ، إِلَّا أنه وهم في رفع هذا الحديث، والصحيح وقفه على ابن عباس.
وفي معناه ما رُوي عن أبي هريرة قال: قال رسول الله ﷺ: «لا تحرّم من الرضاعة المصّةُ والمصّتان، ولا يحرّمُ منه إِلَّا ما فتقَ الأمعاء».
رواه البزّار - كشف الأستار - (١٤٤٤)، والبيهقي (٧/ ٤٥٥) كلاهما من حديث محمد بن إسحاق، عن إبراهيم بن عقبة، عن حجَّاج بن حجَّاج، عن أبي هريرة فذكره.
قال البزّار: «لا نعلمه بهذا اللّفظ إِلَّا بهذا الإسناد، وحجاج بن حجَّاج رُوي عن أبيه وأبي هريرة، وروى عنه عروة وهو معروف».
وقال البيهقيّ: «ورواه الزهري وهشام عن عروة موقوفًا على أبي هريرة بعض معناه.
وقد رُويَ من أوجه أخرى أضعف من هذا.
ومنها: ما ذكره أبو حاتم في: العلل (١/ ٤١٧) فإنه ذكره من طريق ابن لهيعة، عن عيسى بن
عبد الرحمن الزرقيّ، عن الزّهريّ، عن سعيد بن المسيب، أو أبي سلمة، عن أبي هريرة فذكره.
وقال: «هذا حديث باطل، وعبسي هذا أبو عباد لا أعرف له حديثًا صحيحًا.
وقال ابن عدي: «يروي المناكير عن الزهري».
فقه الحديث: يستفاد من أحاديث الباب أن خمس رضعات فما فوقها هي المحرمة، وبه قال أحمد والشافعي وإسحاق ومعظم أهل الحديث.
قال الإمام أحمد: «إن ذهب ذاهب إلى قول عائشة في خمس رضعات فهو مذهب قوي».
والمراد بالخمس الرضعات هنا: خمس مصّات، فإذا مصَّ الطفلُ ثدي المرأة، ثمّ تركهـ باختياره فهذه رضعة واحدة، ثمّ عاد إليه، فهذه رضعة ثانية، ثمّ عاد إلى المص، ثمّ تركه للتنفس، أو للانتقال إلى ثدي آخر، فهذه ثالثة، وهكذا الرابعة والخامسة أيضًا، وليس المراد منه كما يَفْهم بعضُ الناس أن الشبع في فترةٍ واحدةٍ تُعتبر رضعةٌ واحدةٌ، ولو مصر خمس مرات أو أكثر، فعلي قولهم يجب أن يشبع خمس مرات، ولو كثر عدد الرضعات، وإنما الصَّحيح هو عدد المصات لا عدد الشبعات.
وبه أفتتِ اللجنةُ الدائمةُ للفتوى للمملكة العربية السعودية، وقالت اللجنة: «ولو وصل اللبن إلى جوف الطفل بغير الإرضاع، كأن يُقطر في فمه، أو يشربه في إناء ونحوه، فحكمه حكم الرضاع بشرط أن يحصل من ذلك خمس مرات. ولو لم يحصل الشبع في بعض المرات حُسبتْ رضعة، وهكذا حتَّى تتم خمسُ رضعات، فإذا نقص ولو رضعة واحدةٌ فإنها لا تُحرِّم».
وقالت اللجنة: «وسواء ارتضع من الثدي، أو شربه في إناء خمس جرعات».
وقالت اللجنة: «وإن حصل الشك في عدد الرضعات هل هي خمس أو أقل؟ فالأصل عدم الرضاع، فلا يحرم». انتهى.
والقول الثاني: إن رضعةً واحدةً تُحرِّم بظاهر القرآن في قوله تعالى: ﴿وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ﴾ [النساء: ٢٣].
وبه قال أبو حنيفة ومالك، وتركا لذلك الأحاديثَ الصحيحةَ بحجة إنها زيادة على القرآن.
والقول الثالث: لا تُحرّمه أقل من ثلاث رضعات لقول النَّبِيّ ﷺ: «لا تحرِّمُ المصة والمصتان». وبه قال داود الظاهري.
والصحيح هو القول الأوّل لوجود أدلة صحيحة واضحة من السنة الصحيحة، وهي ليست زائدة على القرآن، بل هي مُخصّصة لمطلقه مثل أحكام الصّلاة والزكاة والصوم والحج وغيرها. وبالله التوفيق.

أحاديث لها شرح في هذا الكتاب

معلومات عن حديث: ما يُحرِّم من الرضاعة ما فتق الأمعاء في الثدي قبل الفطام

  • 📜 حديث: ما يُحرِّم من الرضاعة ما فتق الأمعاء في الثدي قبل الفطام

    نص الحديث الشريف كاملاً مع ذكر الرواة وسند الحديث المتصل بسلسلة الإسناد الصحيحة حتى النبي محمد صلى الله عليه وسلم.

  • 🔍 صحة حديث: ما يُحرِّم من الرضاعة ما فتق الأمعاء في الثدي قبل الفطام

    تحليل درجة صحة الحديث من حيث السند والمتن وفق معايير علم الحديث، مع بيان حكم العلماء عليه من حيث القبول والرد.

  • 📖 تخريج حديث: ما يُحرِّم من الرضاعة ما فتق الأمعاء في الثدي قبل الفطام

    تخريج الحديث من مصادر السنة النبوية المعتمدة وكتب الصحاح والسنن، مع ذكر أماكن وروده في المصادر الحديثية المختلفة.

  • 📚 شرح حديث: ما يُحرِّم من الرضاعة ما فتق الأمعاء في الثدي قبل الفطام

    شرح وافي للمعاني والمفردات والفوائد المستنبطة من الحديث، مع بيان الأحكام الشرعية والعبر المستفادة لتطبيقها في الحياة العملية.


قراءة القرآن الكريم


سورة البقرة آل عمران سورة النساء
سورة المائدة سورة يوسف سورة ابراهيم
سورة الحجر سورة الكهف سورة مريم
سورة الحج سورة القصص العنكبوت
سورة السجدة سورة يس سورة الدخان
سورة الفتح سورة الحجرات سورة ق
سورة النجم سورة الرحمن سورة الواقعة
سورة الحشر سورة الملك سورة الحاقة
سورة الانشقاق سورة الأعلى سورة الغاشية

الباحث القرآني | البحث في القرآن الكريم


Wednesday, November 19, 2025

لا تنسنا من دعوة صالحة بظهر الغيب