احتلمت في ليلة باردة فأشفقت إن اغتسلت أن أهلك

حديث: احتلمت في ليلة باردة فأشفقت إن اغتسلت أن أهلك

عن عمرو بن العاص قال: احْتَلَمْتُ فِي لَيْلَةٍ بَارِدَةٍ فِي غَزْوَةِ ذَاتِ السَّلَاسِلِ. فَأَشْفَقْتُ إِنِ اغْتَسَلْتُ أَنْ أَهْلِكَ فَتيَمَّمْتُ، ثُمَّ صَلَّيْتُ بِأَصْحَابِي الصُّبْحَ، فَذَكَرُوا ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ ﷺ فَقَالَ: «يَا عَمْرُو! صَلَّيْتَ بأَصْحَابِكَ وَأَنْتَ جُنُبٌ» فَأَخْبَرْتُهُ بِالَّذِي مَنَعَنِي مِنْ الاغْتِسَالِ، وَقُلْتُ: إِنِّي سَمِعْتُ اللهَ يَقُولُ: ﴿وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا﴾ [النساء: ٢٩]. فَضَحِكَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وَلَمْ يَقُلْ شَيْئًا.

صحيح: رواه أبو داود (٣٣٤) وأحمد (١٧٨١٢) والحاكم (١/ ٧٧ - ٧٨) كلهم من حديث يزيد بن أبي حبيب، عن عمران بن أبي أنس، عن عبد الرحمن بن جبير، عن عمرو بن العاص، فذكره.

تخريج الحديث كاملاً ⏬

شرح الحديث:

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله.
أهلاً بك، هذا حديث عظيم يحمل دروساً مهمة في الفقه والرحمة والتيسير في الشريعة الإسلامية. سأشرحه لك جزءاً جزءاً معتمداً على كبار شراح الحديث من أهل السنة والجماعة.
الحديث: رواه الإمام أحمد في مسنده، وأبو داود في سننه، والدارقطني، عن عمرو بن العاص رضي الله عنه.

1. شرح المفردات:

* احْتَلَمْتُ: أي خرج مني المني أثناء النوم، وهو يوجب الغسل والجنابة.
* ذَاتِ السَّلَاسِل: اسم غزوة من غزوات النبي صلى الله عليه وسلم.
* فَأَشْفَقْتُ: خفت وخشيت.
* أَنْ أَهْلِكَ: أن أموت بسبب شدة البرد.
* فَتيَمَّمْتُ: أخذت الرخصة الشرعية، وهي التيمم بالتربد الطاهر بدلاً من الغسل بالماء.
* جُنُبٌ: على حالة توجب الغسل (الجنابة).

2. شرح الحديث:

يخبر الصحابي الجليل عمرو بن العاص رضي الله عنه أنه أصابته جنابة (بسبب الاحتلام) في ليلة شديدة البرد أثناء مشاركته في غزوة ذات السلاسل. وخشي أن يغتسل بالماء البارد في تلك الليلة القارسة فيصيبه مرض أو يهلك (يموت) بسبب ذلك.
فاستعمل عقله وفهمه للشريعة، فلم يغتسل، بل انتقل إلى البديل الشرعي عند العجز عن استعمال الماء، وهو التيمم. ثم صلى بأصحابه صلاة الصبح وهو على تلك الحالة (مُحدثاً حدثاً أكبر لكنه متيمم).
وعندما بلغ النبي صلى الله عليه وسلم خبر ذلك، استفهم منه مستنكراً في البداية: «يَا عَمْرُو! صَلَّيْتَ بِأَصْحَابِكَ وَأَنْتَ جُنُبٌ؟». فهذا سؤال تقرير وتوضيح، ليبين الحكم للناس.
فأخبره عمرو رضي الله عنه بالسبب الذي منعه من الاغتسال، واستدل على فعله بآية من كتاب الله تعالى: {وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا}. أي أن استخدام الماء في هذه الحالة قد يؤدي إلى الهلاك، والله تعالى نهى عن إهلاك النفس.
فكان رد فعل النبي صلى الله عليه وسلم هو الضحك ثم السكوت. وهذا الضحك ليس سخرية، بل هو ضحك إعجاب وتأييد لاجتهاد عمرو وفهمه الصحيح للشريعة. وسكوته صلى الله عليه وسلم إقرارٌ منه على صحة ما فعل.

3. الدروس المستفادة منه:

1- مشروعية التيمم للجنب عند العجز عن استعمال الماء: الحديث أصل من أصول باب التيمم، ويبين أن الجنب إذا خاف على نفسه من استعمال الماء بسبب البرد أو مرض، فإنه يتيمم ويصلي، وصلاته صحيحة. وهذا باتفاق أهل العلم.
2- الاجتهاد في فهم نصوص الشريعة: اجتهد عمرو رضي الله عنه في الجمع بين النصوص (وجوب الغسل وتحريم إهلاك النفس) ووصل إلى حل شرعي صحيح. وهذا يدل على فهم الصحابة العميق لمقاصد الشريعة.
3- الرحمة والتيسير في الإسلام: الشريعة الإسلامية جاءت برفع الحرج والمشقة عن الناس. فالمشقة تجلب التيسير، والضرورات تبيح المحظورات. حفظ النفس مقدّم على أداء العبادة على وجهها الاعتيادي إذا تعذر ذلك.
4- حسن الاستدلال بالقرآن: استدل عمرو رضي الله عنه بالآية الكريمة استدلالاً صحيحاً، حيث فهم أن إجبار نفسه على الغسل مع الخوف من الهلاك هو من قبيل قتل النفس أو إيذائها.
5- إقرار النبي صلى الله عليه وسلم دليل على صحة الفعل: سكوت النبي صلى الله عليه وسلم بعد بيان الحقيقة يُعدّ إقراراً وموافقة على ما فعل عمرو، مما يجعل هذا الحادثة دليلاً شرعياً يعتمد عليه.
6- جواز أن يصلي المتيمم بالجماعة: صلى عمرو رضي الله عنه وهو متيمم بالجنابة إماماً لأصحابه، ولم ينكر عليه النبي ذلك، فدل على صحة إمامة المتيمم بالمقتدين.

4. معلومات إضافية مفيدة:

* هذا الحديث من الأحاديث التي يستدل بها الفقهاء على أن التيمم يرفع الحدث الأكبر (الجنابة) كما يرفع الحدث الأصغر، ويكفي لأداء الصلاة وغيرها من العبادات التي يشترط لها الطهارة.
* يظهر من الحديث فقه وعقل عمرو بن العاص رضي الله عنه حتى قبل إسلامه (حيث كان هذا الحدث قبل إسلامه كما ذكر بعض أهل العلم)، مما يدل على ذكائه وحسن تقديره.
* الضحك النبوي في مثل هذه المواقف يدل على سهولة الدين ويسره، وعلى مدى قرب النبي صلى الله عليه وسلم من أصحابه وتفهمه لظروفهم.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

📝 تنبيه هام:

نرحب بتصويباتكم! إذا وجدت أي خطأ في نص الحديث أو السند أو الشرح، فيرجى إبلاغنا عبر صفحة الاتصال:

📧 التواصل للإبلاغ عن خطأ

"مَنْ سَنَّ فِي الإِسْلَامِ سُنَّةً حَسَنَةً فَلَهُ أَجْرُهَا وَأَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا"

تخريج الحديث

رواه أبو داود (٣٣٤) وأحمد (١٧٨١٢) والحاكم (١/ ٧٧ - ٧٨) كلهم من حديث يزيد بن أبي حبيب، عن عمران بن أبي أنس، عن عبد الرحمن بن جبير، عن عمرو بن العاص، فذكره.
وإسناده صحيح، وعبد الرحمن بن جبير هو المصري المؤذن، وقد زاد بعضهم بين عبد الرحمن
ابن جبير وبين عمرو بن العاص «أبا قيس مولى عمرو بن العاص» فقال الحاكم: هذا لا يعله، فإن أهل مصر أعلم بحديثهم من أهل البصرة.

العودة إلى الأعلى

أحاديث لها شرح في هذا الكتاب (عرض 50 حديثاً حول الحديث الحالي)

الحديث الحالي في المركز 625 من أصل 1279 حديثاً له شرح

معلومات عن حديث: احتلمت في ليلة باردة فأشفقت إن اغتسلت أن أهلك

📜 حديث: احتلمت في ليلة باردة فأشفقت إن اغتسلت أن أهلك

نص الحديث الشريف كاملاً مع ذكر الرواة وسند الحديث المتصل بسلسلة الإسناد الصحيحة حتى النبي محمد صلى الله عليه وسلم.
🔍 صحة حديث: احتلمت في ليلة باردة فأشفقت إن اغتسلت أن أهلك

تحليل درجة صحة الحديث من حيث السند والمتن وفق معايير علم الحديث، مع بيان حكم العلماء عليه من حيث القبول والرد.
📖 تخريج حديث: احتلمت في ليلة باردة فأشفقت إن اغتسلت أن أهلك

تخريج الحديث من مصادر السنة النبوية المعتمدة وكتب الصحاح والسنن، مع ذكر أماكن وروده في المصادر الحديثية المختلفة.
📚 شرح حديث: احتلمت في ليلة باردة فأشفقت إن اغتسلت أن أهلك

شرح وافي للمعاني والمفردات والفوائد المستنبطة من الحديث، مع بيان الأحكام الشرعية والعبر المستفادة لتطبيقها في الحياة العملية.

قراءة القرآن الكريم

سورة البقرة	آل عمران	سورة النساء
سورة المائدة	سورة يوسف	سورة ابراهيم
سورة الحجر	سورة الكهف	سورة مريم
سورة الحج	سورة القصص	العنكبوت
سورة السجدة	سورة يس	سورة الدخان
سورة الفتح	سورة الحجرات	سورة ق
سورة النجم	سورة الرحمن	سورة الواقعة
سورة الحشر	سورة الملك	سورة الحاقة
سورة الانشقاق	سورة الأعلى	سورة الغاشية