لماذا سمي علي بن أبي طالب أبا التراب؟

شرح الحديث:

بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد، فإني أشرح هذا الحديث الشريف شرحًا وافيًا مستندًا إلى كُتب أهل السنة والجماعة المعتمدة، مع بيان فوائده ودروسه.

---

الحديث بطريقة منظمة:

الراوي: سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه.
الموقف: استعمل على المدينة رجل من آل مروان (وهو من بني أمية)، فدعا سهل بن سعد وأمره أن يشتم علي بن أبي طالب رضي الله عنه.
رد سهل: أبى سهل أن يشتم عليًا.
المحاولة الثانية: طلب منه أن يقول: "لعن الله أبا التراب" (ظنًا منه أن هذه إهانة).
رد سهل الحكيم: أخبر أن "أبا التراب" كان أحب الأسماء إلى علي، وكان يفرح إذا دُعي بها.
سبب التسمية: طلب الرجل معرفة القصة، فذكر سهل أن النبي ﷺ جاء إلى بيت فاطمة فلم يجد عليًا، فقالت فاطمة: كان بيني وبينه شيء فغاضبني فخرج.
البحث عنه: أمر النبي ﷺ أحدًا أن يبحث عنه، فوجده في المسجد نائمًا، وقد سقط رداؤه عن جنبه وأصابه التراب.
فعل النبي ﷺ: جعل يمسح التراب عنه ويقول: "قم أبا التراب، قم أبا التراب".

---

1. شرح المفردات:

● استعمل على المدينة: عُين حاكمًا أو واليًا على المدينة المنورة.
● من آل مروان: من بني مروان، وهم فرع من بني أمية، وكان بينهم وبين علي بن أبي طالب رضي الله عنه خلاف سياسي بسبب الفتنة.
● يشتم عليًا: يسبه أو يذمه.
● أبا التراب: كنية لعلي بن أبي طالب، ومعناها "أبو التراب".
● لم يَقِلْ عندي: لم يبقَ عندي (من القُعود).
● مضطجع: نائم على جنبه.
● سقط رداؤه عن شقه: سقط ثوبه عن جنبه.

---

2. شرح الحديث:

هذا الحديث رواه الإمام البخاري في صحيحه (كتاب المناقب، باب مناقب علي بن أبي طالب)، وهو حديث صحيح متفق عليه.
السياق التاريخي: بعد الفتنة بين علي ومعاوية رضي الله عنهما، كانت هناك فترات من العداء من قبل بعض ولاة بني أمية تجاه علي وأهل بيته، فكانوا يأمرون بسبه على المنابر، وهذا من المنكرات التي حدثت في التاريخ الإسلامي. وهذا الوالي من آل مروان أراد إجبار سهل بن سعد على سب علي، لكن سهلًا رفض بشدة.
رفض سهل بن سعد: هذا يدل على شجاعته وتقواه، حيث فضل طاعة الله ورسوله على طاعة الوالي، وعصى الأمر بالمنكر.
كلمة "أبا التراب": ظن الوالي أنها إهانة، لكن سهلًا بين أنها كنية محببة لعلي، وكان يفرح بها. وهذا من حكمته رضي الله عنه، حيث حول المحاولة الخبيثة إلى فرصة لبيان فضل علي.
قصة التسمية: النبي ﷺ جاء يزور ابنته فاطمة، فلم يجد عليًا، فذكرت أنه غاضبها فخرج. وهذا يدل على أن الخلاف بين الأزواج شيء طبيعي، لكن عليًا رضي الله عنه فضل الخروج إلى المسجد ليهدأ بدلًا من الاستمرار في الخلاف.
وجده في المسجد نائمًا: هذا يدل على تواضع علي وزهده، حيث نام في المسجد على الأرض، ولم يذهب إلى مكان آخر.
مسح النبي التراب عنه: هذه حركة فيها عطف وحنان من النبي ﷺ تجاه علي، مما يدل على محبته له.
تسميته "أبا التراب": هذه كنية أطلقها النبي ﷺ بلطف ومداعبة، مما جعلها أحب الأسماء إلى علي. وليس فيها أي إهانة، بل هي تدل على التواضع والقرب من الأرض والمسجد.

---

3. الدروس المستفادة:

1- الشجاعة في الحق: يجب على المسلم أن يكون شجاعًا في refusal المنكر، حتى لو كان الآمر هو الحاكم.
2- عدم سب الصحابة: يحرم سب أي صحابي، خاصة الخلفاء الراشدين، ومنهم علي رضي الله عنه، وهذا من عقيدة أهل السنة.
3- الحكمة في الرد: كما فعل سهل بن سعد، حيث حول الإهانة المفترضة إلى مدح وبيان فضل.
4- التواضع: قصة نوم علي في المسجد على التراب تدل على تواضعه وزهاده.
5- معاملة الزوجة: عند الخلاف، الأفضل الابتعاد لتهدئة النفوس، كما فعل علي.
6- محبة النبي ﷺ لأهل بيته: حيث جاء يبحث عن علي ومسح التراب عنه.
7- الكنى المحببة: أحيانًا تكون الكنى التي تطلق بدافع المداعبة والمودة أحب إلى الشخص من الأسماء الرسمية.

---

4. معلومات إضافية:

- هذا الحديث من الأحاديث التي ترد على الروافض الذين يسبون الصحابة، فإن سهل بن سعد رفض أن يسب عليًا حتى تحت التهديد.
- في رواية أخرى: أن النبي ﷺ قال: "ألا أخبرك بأشقى الناس؟" فقال علي: بلى، فقال: "أحيمر ثمود الذي عقر الناقة، والذي يضربك يا علي على هذا" (يعني رأسه) – مما يدل على فضل علي.
- أهل السنة يحبون عليًا ويترضون عنه، ويعرفون فضله، ولكن بدون غلوٍ أو سبٍ للآخرين.

أسأل الله أن ينفعنا بهذا الحديث، وأن يجعلنا من المحبين لأهل بيت النبي ﷺ والصحابة أجمعين. وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.