حديث: عَبَسَ وَتَوَلَّى أَنْ جَاءَهُ الْأَعْمَى

📚 كتب الحديث | 🔍 صحة حديث | 📖 الأحاديث الصحيحة

باب قوله: ﴿عَبَسَ وَتَوَلَّى (١) أَنْ جَاءَهُ الْأَعْمَى (٢) وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى (٣) أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرَى (٤)﴾

عن عائشة قالت: أنزل في ابن أم مكتوم الأعمى، أتى رسول الله ﷺ فجعل يقول: يا رسول الله! أرشدني، وعند رسول الله ﷺ رجل من المشركين، فجعل رسول الله ﷺ يُعرض عنه، ويُقبل على الآخر، ويقول: «أترى بما أقول بأسا؟» فيقول: لا. ففي هذا أنزل. ﴿عَبَسَ وَتَوَلَّى﴾.

صحيح: رواه الترمذي (٣٣٣١) واللفظ له، وابن جرير في تفسيره (٢٤/ ١٠٢) والحاكم (٢/ ٥١٤) كلهم من حديث سعيد بن يحيى بن سعيد الأموي، عن أبيه، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة، فذكرته.

عن عائشة قالت: أنزل في ابن أم مكتوم الأعمى، أتى رسول الله ﷺ فجعل يقول: يا رسول الله! أرشدني، وعند رسول الله ﷺ رجل من المشركين، فجعل رسول الله ﷺ يُعرض عنه، ويُقبل على الآخر، ويقول: «أترى بما أقول بأسا؟» فيقول: لا. ففي هذا أنزل. ﴿عَبَسَ وَتَوَلَّى﴾.

شرح الحديث:

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
حياكم الله و بياكم، ونسأل الله أن يوفقنا وإياكم للعلم النافع والعمل الصالح، ولفهم كتابه وسنة نبيه ،وأن يعلمنا ما ينفعنا وينفعنا بما علمنا، وأن يزيدنا علماً وفقهاً وتوفيقاً وأجراً إنه هو الكريم الوهاب.
هذا الحديث الذي ذكر رواه الإمام أحمد في مسنده والترمذي في سننه، وهو حديث صحيح، وهو يروي قصة نزول أوائل سورة "عبس"، وهي قصة عظيمة تحمل دروساً بليغة.

أولاً. شرح المفردات:


● ابن أم مكتوم: هو عبد الله بن أم مكتوم، وهو صحابي جليل، ابن خالة السيدة خديجة رضي الله عنها، وكان أعمى.
● أرشدني: أي دلني على الخير وعلمني ما ينفعني.
● يُعرض عنه: أي يصد ويصرف وجهه عنه.
● يُقبل على الآخر: أي يوجه وجهه واهتمامه towards ذلك الرجل.
● أترى بما أقول بأساً؟: أي هل ترى في كلامي شيئاً مكروهاً أو منكراً؟ (كان النبي ﷺ يخاطب المشرك ليعرف رأيه في الدعوة).
● عَبَسَ وَتَوَلَّى: هذه آية من سورة عبس، (عبس) أي: كلح وجهه وتجهم، (وتولى) أي أعرض.

ثانياً. شرح الحديث:


تخبرنا السيدة عائشة رضي الله عنها عن سبب نزول قوله تعالى: {عَبَسَ وَتَوَلَّىٰ * أَن جَاءَهُ الْأَعْمَىٰ} [عبس: 1-2].
فالرواية تصور لنا مشهداً كان النبي ﷺ فيه جالساً مع رجل من أشراف قريش وكبرائهم (وهو عقبة بن أبي معيط أو غيره على اختلاف الروايات)، وكان النبي ﷺ يرجو بإسلامه أن يسلم معه قومه، فكان منشغلاً بالدعوة إليه.
وفي خضم هذا الحوار، جاءه الصحابي الأعمى عبد الله بن أم مكتوم رضي الله عنه، وهو رجل فقير ضعيف، لا يبصر، فبدأ يسأل النبي ﷺ ويستفتيه في أمور دينه قائلاً: "يا رسول الله، أرشدني"، أي علمني مما علمك الله.
ولشدة انشغال النبي ﷺ بمحاولة استمالة ذلك المشرك، وانشغاله بالهدف الكبير (إسلام القوم)، تجهم في وجه ابن أم مكتوم – دون قصد سوء – وأعرض عنه، وواصل حديثه مع المشرك قائلاً له: "أترى بما أقول بأساً؟" أي هل ترى في دعوتي هذه أي شيء wrong؟
فأنزل الله تعالى عليه قرآناً يتلى إلى يوم القيامة، يعاتب فيه نبيه ﷺ على هذا الفعل، ليس لأنه ذنب عظيم، ولكن ليربي الله فيه وأمته أعلى درجات الأدب مع الخلق، ويوجه الانتباه إلى الأولوية الحقيقية.

ثالثاً. الدروس المستفادة والعبر:


1- عتاب الله لنبيه ﷺ تكريم وتعليم: هذا العتاب من الله لنبيه هو من باب التربية والتأديب، وليس من باب التوبيخ والتقريع على ذنب كبير. فهو كعتاب الأب الحاني لابنه الذي يريد له الكمال. وقد قبل النبي ﷺ هذا العتاب بكل تواضع، وكان بعدها يكرم ابن أم مكتوم ويحسن إليه، وإذا رآه قال: "مرحباً بمن عاتبني فيه ربي".
2- تقديم حاجة طالب العلم على غيره: الإنسان الذي جاء يسأل عن دينه ويريد أن يتعلم (كابن أم مكتوم) أولى بالاهتمام من الشخص المراد استمالته لدين الله، حتى ولو كان ذا منصب وجاه.
3- عدم التمييز بين الناس بسبب وضعهم الاجتماعي أو المادي: النبي ﷺ لم يقصد التفريق، ولكن القصة جاءت لترسيخ مبدأ أن الناس سواسية في الحق، فلا يُؤْثَرُ غني على فقير، ولا قوي على ضعيف، ولا صحيح على معاق عندما يكون طلب الحق هو المحك.
4- العدل والإنصاف الإلهي: القرآن ينزل بعتاب النبي ﷺ ليعلم الأمة أن الحق فوق كل أحد، حتى فوق النبي المعصوم في تبليغ الرسالة، فكيف بغيره؟
5- تواضع النبي ﷺ وقبوله للحق: من أعظم الدروس أن النبي ﷺ لم يعترض أو يبرر، بل قبل عتاب ربه وطبقه، وكان هذا من كمال خلقه ﷺ.
6- الاهتمام بذوي الاحتياجات الخاصة: جاء العتاب لأن المعرض عنه كان رجلاً أعمى، مما يؤكد على رعاية حقوق ذوي الهمم والعطف عليهم وعدم إهمالهم.

رابعاً. معلومات إضافية:


- أصبح عبد الله بن أم مكتوم رضي الله عنه بعد هذه الحادثة من أكثر الصحابة مكانة عند النبي ﷺ، وكان يستخلفه على المدينة عندما يغزو، وكان يؤم المسلمين في الصلاة.
- هذه الحادثة تدل على أن النبي ﷺ بشر يوحى إليه، وليس بمعصوم من الهفوات الصغيرة التي لا تتعلق بالتبليغ، والتي يعاتبه الله عليها ليعلمنا.
- سورة "عبس" هي تذكرة أبدية لكل داعية بأن يكون منصفاً عادلاً في تعامله مع الناس، لا تنظر عيناه إلى مناصب الدنيا وزخرفها.
أسأل الله أن يجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
📝 تنبيه هام:
نرحب بتصويباتكم! إذا وجدت أي خطأ في نص الحديث أو السند أو الشرح، فيرجى إبلاغنا عبر صفحة الاتصال:
"مَنْ سَنَّ فِي الإِسْلَامِ سُنَّةً حَسَنَةً فَلَهُ أَجْرُهَا وَأَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا"

تخريج الحديث

رواه الترمذي (٣٣٣١) واللفظ له، وابن جرير في تفسيره (٢٤/ ١٠٢) والحاكم (٢/ ٥١٤) كلهم من حديث سعيد بن يحيى بن سعيد الأموي، عن أبيه، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة، فذكرته.
قال الترمذي: «هذا حديث حسن غريب، وروى بعضهم هذا الحديث عن هشام بن عروة، عن أبيه، قال: أنزل ﴿عَبَسَ وَتَوَلَّى﴾ في ابن أم مكتوم، ولم يذكر فيه: عن عائشة».
وقال الحاكم: «هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، فقد أرسله جماعة عن هشام بن عروة».
قال الذهبي: «هكذا رواه يحيى بن سعيد الأموي مرفوعا عن هشام، وأرسله جماعة عن هشام وهو الصواب». انتهى.
قال الأعظمي: وتابعه على رفعه عبد الله بن عمر الجعفي، قال: حدثنا عبد الرحيم بن سليمان، عن هشام بن عروة بإسناده. رواه ابن حبان (٥٣٥) عن الحسن بن سفيان، قال: حدثنا عبد الله بن عمر الجعفي بإسناده.
وهذا إسناد صحيح، وهو يقوي الإسناد الأول.
وكذلك رواه أبو معاوية الضرير عن هشام، عن أبيه، عن عائشة. رواه الدارقطني في العلل (١٤/ ١٧٥)
إلا أنه رجح المرسل.
وأما المرسل فرواه مالك في الموطأ في كتاب القرآن (٨) عن هشام بن عروة، عن أبيه، قال: أنزلت: ﴿عَبَسَ وَتَوَلَّى﴾ في عبد الله بن أم مكتوم، فذكره، وكذلك رواه وكيع عن هشام. ومن طريقه رواه ابن جرير.
وهذا المرسل وإن كان قويا فإنه لا يُعِلُّ الموصول، فإن رواته أيضا ثقات، فلعل عروة نفسه كان يروي مرة مرسلا، وأخرى موصولا، وله شواهد كثيرة في كتب السنة، وأوضحت ذلك مرارا في الجامع الكامل.

أحاديث لها شرح في هذا الكتاب (عرض 50 حديثاً حول الحديث الحالي)

الحديث الحالي في المركز 1799 من أصل 1947 حديثاً له شرح

معلومات عن حديث: عَبَسَ وَتَوَلَّى أَنْ جَاءَهُ الْأَعْمَى

  • 📜 حديث: عَبَسَ وَتَوَلَّى أَنْ جَاءَهُ الْأَعْمَى

    نص الحديث الشريف كاملاً مع ذكر الرواة وسند الحديث المتصل بسلسلة الإسناد الصحيحة حتى النبي محمد صلى الله عليه وسلم.

  • 🔍 صحة حديث: عَبَسَ وَتَوَلَّى أَنْ جَاءَهُ الْأَعْمَى

    تحليل درجة صحة الحديث من حيث السند والمتن وفق معايير علم الحديث، مع بيان حكم العلماء عليه من حيث القبول والرد.

  • 📖 تخريج حديث: عَبَسَ وَتَوَلَّى أَنْ جَاءَهُ الْأَعْمَى

    تخريج الحديث من مصادر السنة النبوية المعتمدة وكتب الصحاح والسنن، مع ذكر أماكن وروده في المصادر الحديثية المختلفة.

  • 📚 شرح حديث: عَبَسَ وَتَوَلَّى أَنْ جَاءَهُ الْأَعْمَى

    شرح وافي للمعاني والمفردات والفوائد المستنبطة من الحديث، مع بيان الأحكام الشرعية والعبر المستفادة لتطبيقها في الحياة العملية.


قراءة القرآن الكريم


سورة البقرة آل عمران سورة النساء
سورة المائدة سورة يوسف سورة ابراهيم
سورة الحجر سورة الكهف سورة مريم
سورة الحج سورة القصص العنكبوت
سورة السجدة سورة يس سورة الدخان
سورة الفتح سورة الحجرات سورة ق
سورة النجم سورة الرحمن سورة الواقعة
سورة الحشر سورة الملك سورة الحاقة
سورة الانشقاق سورة الأعلى سورة الغاشية

الباحث القرآني | البحث في القرآن الكريم


Thursday, November 20, 2025

لا تنسنا من دعوة صالحة بظهر الغيب