أي الأعمال أفضل؟ الإيمان بالله والجهاد في سبيل الله

شرح الحديث:

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
حياكم الله و بياكم، ونسأل الله أن يوفقنا وإياكم للعلم النافع والعمل الصالح، ولفهم كتابه وسنة نبيه ،وأن يعلمنا ما ينفعنا وينفعنا بما علمنا، وأن يزيدنا علماً وفقهاً وتوفيقاً وأجراً إنه هو الكريم الوهاب.
هذا حديث عظيم من جوامع كلم النبي صلى الله عليه وسلم، يرشدنا إلى سلم الترقي في الخيرات، ويفتح أبواب الأجر لكل مسلم حسب طاقته واستطاعته.
### أولاً. نص الحديث
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رجلاً أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عنده فسأله فقال: يا نبي الله! أي الأعمال أفضل؟ قال: «الإيمان بالله، والجهاد في سبيل الله». قال: فإن لم أستطع ذاك، قال: فأي الرقاب أعظم أجرا؟ قال: «أغلاها ثمنا وأنفسها عند أهلها»، قال: فإن لم أستطع قال: «فتعين ضائعا أو تصنع لأخرق»، قال: فإن لم أستطع ذاك، قال: «فاحبس نفسك عن الشر فإنها صدقة تصدقت بها على نفسك».
(رواه البخاري ومسلم واللفظ للبخاري)
### ثانياً. شرح المفردات
● أي الأعمال أفضل: أي أحبها إلى الله وأعظمها أجراً.
● الرقاب: جمع رقبة، والمقصود عتق الرقاب (تحرير العبيد).
● أغلاها ثمناً: التي يكون ثمنها أغلى وأعلى.
● أنفسها عند أهلها: الأكثر حبيبة وقيمة عند مالكها.
● تُعين ضائعاً: تساعد إنساناً ضل طريقه أو فقد شيئاً.
● تصنع لأخرق: تساعد إنساناً لا يحسن صنعة أو عمل شيء (كأن تساعد جارك في إصلاح شيء في بيته لا يحسن إصلاحه).
● تحبس نفسك عن الشر: تمنعها وتكفها عن فعل المعاصي والأذى.
● صدقة تصدقت بها على نفسك: هذا العمل فيه خير لك يعود نفعه عليك، كالصدقة التي تتصدق بها على غيرك.
### ثالثاً. شرح الحديث
يصور لنا هذا الحديث المشهد النبوي الرائع، حيث يأتي رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم يسأل عن أفضل الأعمال ليهتدي إليها ويلزمها. فيجيبه النبي صلى الله عليه وسلم إجابة حكيمة، لا تغلق باب الأمل أمام أحد، بل تفتح أبواب الخير على مصراعيها لكل إنسان حسب قدرته واستطاعته.
1- الدرجة الأولى: الإيمان والجهاد
- بدأ النبي صلى الله عليه وسلم بأعلى الدرجات وأفضل الأعمال، وهي الإيمان بالله (وهو أساس كل عمل صالح) والجهاد في سبيل الله (وهو ذروة سنام الإسلام وأعلى درجات التضحية والبذل).
- هذا هو القمة، وهو لمن استطاع وقدر عليه.
2- الدرجة الثانية: عتق الرقاب
- عندما اعتذر الرجل عن عدم القدرة على الجهاد، سأل عن بديل عظيم الأجر، فذكره النبي صلى الله عليه وسلم بعتق الرقاب، وهو من أعظم القربات التي تخلص الإنسان من نار جهنم.
- وزاد النبي صلى الله عليه وسلم بياناً بأن أفضل العتق هو أغلى الرقاب ثمناً وأنفسها عند أهلها، لأن في ذلك مجاهدة للنفس في بذل أغلى ما تملك، وهذا يزيد الأجر والثواب.
3- الدرجة الثالثة: مساعدة الناس وقضاء حوائجهم
- عندما اعتذر عن عدم القدرة على ذلك أيضاً، دلّه النبي صلى الله عليه وسلم على عمل لا يحتاج إلى مال، بل إلى قلب حي ويد مساعدة، وهو إعانة الضائع (كمن ضل طريقه أو فقد متاعه) والصنعة للأخرق (أي مساعدة من لا يحسن عمل شيء مما يحتاجه في حياته).
- هذه الأعمال تدخل تحت باب الإحسان إلى الخلق، وهي من أسباب محبة الله للعبد ومغفرته له.
4- الدرجة الرابعة: كف الأذى عن الناس
- عندما قال الرجل أنه لا يستطيع حتى ذلك، دلّه النبي صلى الله عليه وسلم على عمل يستطيع كل إنسان القيام به، الغني والفقير، القوي والضعيف، وهو كف الشر والأذى عن الناس.
- ثم بين النبي صلى الله عليه وسلم أن هذا العمل البسيط في ظاهره هو في الحقيقة صدقة يتصدق بها الإنسان على نفسه، لأن ضرر الشر يعود على صاحبه أولاً في الدنيا والآخرة، فكفه عنه خير عظيم له.
### رابعاً. الدروس المستفادة والعبر
1- مرونة الإسلام ويسره: يظهر من هذا الحديث كيف أن الإسلام يأمر بأعلى المراتب، ولكن لا يغلق الباب أمام من لم يستطع، بل يفتح له أبواباً أخرى للخير والأجر. وهذا من رحمة الله تعالى بعباده.
2- سلم الترقي في الخير: المسلم الحكيم هو الذي لا يقتصر على أقل الأعمال، بل يسعى دائماً للأعلى والأفضل، ولكن إذا عجز انتقل إلى ما دونها.
3- شمولية مفهوم العبادة: العبادة ليست فقط الصلاة والصيام، بل تشمل كل عمل يقرب إلى الله، من الجهاد إلى عتق الرقاب إلى مساعدة الناس بل حتى كف الأذى عنهم.
4- الأجر على قدر المشقة: كلما كان العمل أشق على النفس وأعظم تكلفة، كان الأجر أعظم، كما في عتق أغلى الرقاب.
5- لا عذر لأحد من فعل الخير: الحديث يختم بأدنى الدرجات التي يستطيعها كل إنسان بلا عذر، وهي كف الأذى عن الناس. فمن قال "لا أستطيع" بعد هذا، فقد أعذر من أنذر.
6- كف الشر صدقة على النفس: هذا من أعظم التوجيهات النبوية، حيث جعل الامتناع عن فعل الشر صدقة يتصدق بها الإنسان على نفسه، لأن نفعها يعود إليه.

---

خامساً:

فوائد إضافية
- الحديث يدل على حرص الصحابة رضي الله عنهم على سؤال النبي صلى الله عليه وسلم عن أفضل الأعمال ليعملوا بها.
- فيه دليل على أن الجهاد في سبيل الله