فنزل البئر، فملأ خفه ثم أمسكه بفيه حتى رقي فسقى الكلب

حديث: فنزل البئر، فملأ خفه ثم أمسكه بفيه حتى رقي فسقى الكلب

عن أبي هريرة أن رسول الله ﷺ قال: «بينما رجل يمشي بطريق، إذ اشتد عليه العطش، فوجد بئرا، فنزل فيها فشرب، وخرج، فإذا كلب يلهث، يأكل الثرى من العطش، فقال الرجل: لقد بلغ هذا الكلب من العطش مثل الذي بلغ مني، فنزل البئر، فملأ خفه، ثم أمسكه بفيه، حتى رقي، فسقى الكلب، فشكر الله له، فغفر له»، فقالوا: يا رسول الله! وإن لنا في البهائم لأجرا؟ فقال: «في كل كبد رطبة أجر».

متفق عليه: رواه مالك في صفة النبي ﷺ (٢٣) عن سُمي مولى أبي بكر، عن أبي صالح السمان، عن أبي هريرة، فذكره.

تخريج الحديث كاملاً ⏬

شرح الحديث:

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
حياكم الله و بياكم، ونسأل الله أن ينفعنا وإياك بالعلم النافع. هذا حديث عظيم من أحاديث الرحمة والإحسان، وها أنا أشرحه لك جزءاً جزءاً بما تيسر:

الحديث بلفظ آخر واضح:

عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي ﷺ قال: «بينما رجل يمشي بطريق، اشتد عليه العطش، فوجد بئراً فنزل فيها فشرب، ثم خرج، فإذا كلب يلهث، يأكل الثرى من العطش، فقال الرجل: لقد بلغ هذا الكلب من العطش مثل الذي كان بلغ مني، فنزل البئر فملأ خُفَّهُ ماءً ثم أمسكه بفيه حتى رَقِيَ فسقى الكلب، فشكر الله له فغفر له». قالوا: يا رسول الله، وإن لنا في البهائم لأجراً؟ فقال: «في كل كبد رطبة أجر».
مصدر الحديث: أخرجه الإمام البخاري في صحيحه (كتاب بدء الخلق، باب خير مال المسلم غنم يتبع بها شعف الجبال) برقم (3321)، ومسلم في صحيحه (كتاب السلام، باب فضل ساقي البهائم المحترمة وإطعامها) برقم (2244).

١. شرح المفردات:

● يَلْهَثُ: يخرج لسانه ويتنفس بسرعة due to العطش والتعب.
● الثَّرَى: التراب الرطب.
● خُفَّهُ: ما يلبس في الرجل من الجلد، أي حذاؤه.
● بفِيهِ: بفمه.
● رَقِيَ: صعد من البئر.
● شكر الله له: قبل الله عمله وأثابه عليه.
● كَبِد رَطْبَة: كل حيوان يشرب الماء وله كبد (أي حيوان ذو روح)، والرطوبة إشارة إلى الحياة.

٢. شرح الحديث:

يصور لنا النبي ﷺ قصة واقعية (أو مثالية للعبرة) لرجل سافر في طريق، فاشتد عليه العطش حتى وجد بئراً فنزل فيها وشرب ليروي ظمأه. بعد أن شرب وخرج، رأى كلباً يعاني من العطش الشديد مثلما عانى هو، حتى إن الكلب كان يأكل التراب الرطب طلباً للبلّة والماء. فتحركت في قلب هذا الرجل الرحمة، ورأى أن هذا الكلب يتألم كما تألم هو. فلم يبخل عليه بالماء، بل عاد إلى البئر ونزل فيها وملأ خفه (حذاءه) بالماء، ثم حمله بفمه وصعد من البئر ليسقي الكلب.
فكان جزاء هذا العمل الصغير في ظاهره، ولكن العظيم في قصده ورحمته، أن شكر الله له هذا الصنيع، وغفر له ذنوبه. وعندما سمع الصحابة هذا الحديث، استغربوا أن يكون هناك أجر في الإحسان إلى الحيوان، فسألوا النبي ﷺ: "وإن لنا في البهائم لأجرا؟" فأجابهم عليه الصلاة والسلام بأن الإحسان والإطعام والسقي لكل حيوان له كبد رطبة (أي كل كائن حي) له أجر عند الله.

٣. الدروس المستفادة والعبر:

1- سعة رحمة الله تعالى: فغفران الذنوب قد يكون بسبب عمل صغير خالص لله، قام به الإنسان بدافع الرحمة والإحسان.
2- الإحسان إلى الحيوان: دل الحديث على أن الرحمة بالحيوان والإحسان إليه من أسباب مغفرة الذنوب ورضوان الله، وأنه ليس مقصوراً على الإنسان فحسب.
3- العبرة بالقصد والنية: عمل الرجل كان بسيطاً (سقى كلباً)، ولكن نية الرحمة والخير جعلته في ميزان الحسنات العظيمة.
4- الرفق بالحيوان أصل في الإسلام: جاءت نصوص كثيرة تأمر بالرفق بالحيوان وعدم إيذائه، وهذا الحديث من أبلغها.
5- شكر الله للعبد: "شكر الله له" أي تقبل عمله وأثابه عليه، وشكر الله لعبده هو قبول عمله ومضاعفة أجره.
6- أن لا نحقر من المعروف شيئاً: فرب عمل صغير ترى أنه تافه، ولكن الله يرفع به العبد درجات.

٤. معلومات إضافية مفيدة:

- هذا الحديث جزء من مجموعة أحاديث تحث على الرحمة بالإنسان والحيوان، ومنها حديث المرأة التي دخلت النار في هرة حبستها فلا هي أطعمتها ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض، والرجل الذي غفر الله له لأنه سقى كلباً.
- يستفاد منه أيضاً: الحث على المواساة، فإن الرجل قد شرب وتذكر حال الكلب العطشان، فلم يأنف من نزول البئر مرة أخرى من أجله.
- الفقهاء يستدلون به على جواز استخدام الخف (أو أي وعاء متاح) لسقي الحيوان إذا لم يتوفر وعاء آخر.
- "في كل كبد رطبة أجر" يعم كل حيوان، بل ويدخل فيه حتى الطيور والحشرات، إذا أطعمها الإنسان أو سقاها بنية الخير.
نسأل الله أن يجعلنا من الرحماء، وأن يتقبل منا صالح الأعمال.
والله أعلم.

📝 تنبيه هام:

نرحب بتصويباتكم! إذا وجدت أي خطأ في نص الحديث أو السند أو الشرح، فيرجى إبلاغنا عبر صفحة الاتصال:

📧 التواصل للإبلاغ عن خطأ

"مَنْ سَنَّ فِي الإِسْلَامِ سُنَّةً حَسَنَةً فَلَهُ أَجْرُهَا وَأَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا"

تخريج الحديث

رواه مالك في صفة النبي ﷺ (٢٣) عن سُمي مولى أبي بكر، عن أبي صالح السمان، عن أبي هريرة، فذكره.
ورواه البخاري في المساقاة (٢٣٦٣)، ومسلم في السلام (٢٢٤٤) كلاهما من طريق مالك به مثله.

العودة إلى الأعلى

أحاديث لها شرح في هذا الكتاب (عرض 50 حديثاً حول الحديث الحالي)

الحديث الحالي في المركز 87 من أصل 1112 حديثاً له شرح

معلومات عن حديث: فنزل البئر، فملأ خفه ثم أمسكه بفيه حتى رقي فسقى الكلب

📜 حديث: فنزل البئر، فملأ خفه ثم أمسكه بفيه حتى رقي فسقى الكلب

نص الحديث الشريف كاملاً مع ذكر الرواة وسند الحديث المتصل بسلسلة الإسناد الصحيحة حتى النبي محمد صلى الله عليه وسلم.
🔍 صحة حديث: فنزل البئر، فملأ خفه ثم أمسكه بفيه حتى رقي فسقى الكلب

تحليل درجة صحة الحديث من حيث السند والمتن وفق معايير علم الحديث، مع بيان حكم العلماء عليه من حيث القبول والرد.
📖 تخريج حديث: فنزل البئر، فملأ خفه ثم أمسكه بفيه حتى رقي فسقى الكلب

تخريج الحديث من مصادر السنة النبوية المعتمدة وكتب الصحاح والسنن، مع ذكر أماكن وروده في المصادر الحديثية المختلفة.
📚 شرح حديث: فنزل البئر، فملأ خفه ثم أمسكه بفيه حتى رقي فسقى الكلب

شرح وافي للمعاني والمفردات والفوائد المستنبطة من الحديث، مع بيان الأحكام الشرعية والعبر المستفادة لتطبيقها في الحياة العملية.

قراءة القرآن الكريم

سورة البقرة	آل عمران	سورة النساء
سورة المائدة	سورة يوسف	سورة ابراهيم
سورة الحجر	سورة الكهف	سورة مريم
سورة الحج	سورة القصص	العنكبوت
سورة السجدة	سورة يس	سورة الدخان
سورة الفتح	سورة الحجرات	سورة ق
سورة النجم	سورة الرحمن	سورة الواقعة
سورة الحشر	سورة الملك	سورة الحاقة
سورة الانشقاق	سورة الأعلى	سورة الغاشية