اسق حديقة فلان - قصة الرجل الصالح مع السحابة

شرح الحديث:

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
حياكم الله و بياكم، وأسأل الله أن يوفقنا وإياكم للعلم النافع والعمل الصالح، ولفهم كتابه وسنة نبيه ،وأن يعلمنا ما ينفعنا وينفعنا بما علمنا، وأن يزيدنا علماً وفقهاً وتوفيقاً وأجراً إنه هو الكريم الوهاب. هذا حديث عظيم من الأحاديث التي تُظهر عظيم فضل الله تعالى وكرمه، وتُبين أثر الصدقة والإحسان في استجلاب الرزق واستجابة الدعاء.
الحديث رواه الإمام مسلم في صحيحه، وهو من الأحاديث الصحيحة المتعلقة بفضائل الصدقة وإخلاص العمل.

### أولاً. شرح المفردات
● بفلاة من الأرض: في صحراء أو برية واسعة خالية.
● اسق حديقة فلان: أمر من الله للسحابة أن تسقي حديقة شخص معين باسمه.
● حَرَّة: أرض ذات حجارة سوداء (أرض بركانية).
● شِرْجَة (جمعها: شِراج): قناة صغيرة أو مجرى للماء في الأرض.
● مسحاته: مجرفته أو أداته التي يحفر بها لتحويل مجرى الماء (الفأس أو المجرفة).
● ابن السبيل: المسافر المنقطع به في غير بلده.

### ثانياً. شرح الحديث
يصف لنا النبي ﷺ قصة عجيبة وقعت لرجل كان يسير في صحراء واسعة، فسمع صوتاً يأتي من سحابة في السماء يأمرها: "اسقي حديقة فلان بن فلان" (باسم صاحبها الخاص). فتحركت السحابة بعيداً عن مكانها، وذهبت لتصب ماءها كله في أرض صخرية (حرة). هناك، وجد أن الماء قد تجمع في قناة صغيرة (شرجة) وتوجه بجريانه نحو مكان محدد.
فتتبع الرجل مسار الماء حتى وصل إلى حديقة، فوجد صاحبها (صاحب الاسم الذي سمعه) يقف فيها ويوجه الماء إلى أشجاره بمجرفته. فسأله الرجل عن اسمه، فكان هو الاسم نفسه الذي سمعه من السحابة. فلما استغرب صاحب الحديقة من سؤاله عن اسمه، أخبره الرجل بالقصة العجيبة.
فسأله الرجل: بماذا استحققت هذا الفضل العظيم من الله، حتى يُسقى زرعك بأمر مباشر من السماء؟
فأجاب صاحب الحديقة: "أما إذ قلت هذا..." أي بما أنك أخبرتني بهذه المعجزة، فأنا أخبرك سر هذا الكرم. ثم بين له نظامه في إنفاق غلّة حديقته (ثمارها وزرعها):
● ثلث يتصدق به: وهو للفقراء والمساكين وابن السبيل.
● ثلث يأكله هو وعياله: للقوامة والإنفاق على النفس والأهل.
● ثلث يرده فيها: أي يستثمره ويعيده في تطوير الحديقة وزراعتها (رأس المال).
وفي اللفظ الآخر: "وأجعل ثلثه في المساكين والسائلين وابن السبيل"، وهو تأكيد على أن الثلث المخصص للصدقة يشمل هذه الأصناف من المحتاجين.

### ثالثاً. الدروس المستفادة والعبر
1- عظيم فضل الصدقة والإحسان: هذا الحديث من أعظم الأدلة على أن الصدقة لا تنقص المال، بل تزيده بركةً ونماءً، حتى إن الله تعالى قد يتولى رزق عبده المؤمن المتصدق بنفسه، فيأمر بالسقاية له من السماء مباشرة.
2- إخلاص العمل لله تعالى: لم يكن صاحب الحديقة يتصدق ليرائي الناس، بل كان يعمل في خلوة، لا يراه أحد إلا الله. فكرمه الله بهذه المعجزة التي جعلتها علانيةً ليعلم الناس فضل الإخلاص.
3- التوازن في الإنفاق: علمنا النبي ﷺ من خلال هذه القصة منهجاً متوازناً في التعامل مع المال:
- جزء لله (الصدقة).
- جزء للنفس والأهل (الإنفاق الواجب).
- جزء للاستثمار والتطوير (إعادة رأس المال).
وهذا هو التوازن الذي يحفظ المال وينميه ويجعل فيه بركة.
4- أن الله يتقبل القليل ويضاعفه: لم يتصدق الرجل بكل شيء، بل بثلث فقط، ولكن لأنه كان خالصاً لوجه الله ومن كسب طيب، قبله الله وضاعف أجره حتى جعل رزقه يأتيه من حيث لا يحتسب.
5- التسخير الإلهي للكون لعباده الصالحين: فإن السحاب مسخر بأمر الله، وقد سُخّر لسقاية حديقة هذا الرجل الصالح بأمر مباشر من الله تعالى، مما يدل على أن الله إذا أحب عبداً سخّر له أسباب السماء والأرض.
6- أن الأعمال لا تضيع عند الله: كان هذا الرجل يعمل في مكان لا يراه فيه أحد، ولكن الله كان يراه وكافأه على إخلاصه وصدقته بأعظم مكافأة.

### رابعاً. معلومات إضافية مفيدة
● الحكمة من ذكر القصة: القصة ليست لمجرد العبرة، ولكن لتشجيع المسلمين على الصدقة والإحسان، وطمأنتهم بأن الله لا يضيع أجر من أحسن عملاً.
● الحديث يدل على مشروعية العمل والكسب: فصاحب الحديقة كان يعمل بيده (يحول الماء بمسحاته)، فجمع بين العمل الأصلي (الكسب الحلال) والعمل التبعي (الصدقة والإحسان).
● فضل الإنفاق على ابن السبيل والضيف: من خلال تخصيص جزء من الصدقة لابن السبيل، وهو من أبواب الخير العظيمة.
أسأل الله تعالى أن يجعلنا من المتصدقين والمحسنين، وأن يرزقنا الإخلاص في القول والعمل.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.