لو أن حورا أطلعت أصبعا لوجد ريحها كل ذي روح

شرح الحديث:

بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد، فإليك شرح هذا الحديث النافع الذي يروي قصة عظيمة في الزهد والورع والتفاني في طاعة الله تعالى:

---

الحديث:

عن سعيد بن عامر بن حذيم قال: بلغ عمر أنه لا يدخر في بيته من الحاجة، فبعث إليه بعشرة آلاف، فأخذها، فجعل يفرقها صررا، فقالت له امرأته: أين تذهب بهذه، قال: أذهب بها إلى من يرجح لنا فيها، فما أبقى منها إلا شيئًا يسيرا، فلما نفذ الذي كان عندهم قالت له امرأته: اذهب إلى بعض أصحابك الذين أعطيتهم يرجحون لك، فخذ من أرباحهم، وجعل يدافعها ويماطلها حتى طال ذلك، فقال: سمعت رسول اللَّه ﷺ: «لو أن حورا أطلعت أصبعا من أصابعها لوجد ريحها كل ذي روح»، فأنا أدعهن، لَكِنْ واللَّه! لأنتن أحق أن أدعكن لهن منهن لكن.

---

1. شرح المفردات:

● يدخر: يبقي أو يختزن شيئًا للمستقبل.
● بعشرة آلاف: المقصود عشرة آلاف درهم (عملة ذلك الزمان).
● صررا: جمع صرة، وهي المال المجموع في قطعة قماش.
● يرجح لنا فيها: يزيدها لنا بركة أو ربحًا، أي يتصدق بها ليضاعف الله الأجر.
● يدافعها ويماطلها: يتأخر في طلبها أو يتجنب ذلك.
● حورا: الحور العين، وهن نساء الجنة.
● أطلعت أصبعا: أظهرت أو أبرزت إصبعًا.
● لأنتن أحق أن أدعكن لهن منهن: أي أنتن (زوجات الدنيا) أحق بأن أترككن من أجلهن (الحور العين).

---

2. شرح الحديث:

هذا الحديث يروي قصة سعيد بن عامر بن حذيم -رضي الله عنه-، وهو من الصحابة الكرام المعروفين بالزهد والورع. بلغ الخليفة عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- أن سعيدًا لا يدخر في بيته مالًا للحاجات الأساسية، فبعث إليه بعشرة آلاف درهم ليعينه على شؤون الحياة.
سعيد -رضي الله عنه- أخذ المال، لكنه لم يحتفظ به لنفسه، بل قسمه إلى أجزاء (صرر) وتصدق به على الفقراء والمحتاجين، ولم يبقي لنفسه إلا القليل. وعندما سألته زوجته: "أين تذهب بهذه؟"، أجابها بأنه يذهب بها "إلى من يرجح لنا فيها"، أي يتصدق بها طلبًا لزيادة الأجر والبركة من الله تعالى، لأن الصدقة تزيد المال بركة وتضاعف الأجر.
ولما نفد ما عندهم من مال، اقترحت عليه زوجته أن يذهب إلى بعض من أعطاهم المال (أي من تصدق عليهم) ليأخذ شيئًا من أرباحهم إذا كانوا قد استثمروه، لكن سعيدًا كان يتجنب ذلك ويؤخر الأمر، لأنه كان يخشى أن يأخذ شيئًا مما تصدق به، فينقص أجره.
وأخيرًا، بين لزوجته سبب امتناعه عن طلب المال منهم، فذكر لها حديث رسول الله ﷺ: «لو أن حورا أطلعت أصبعا من أصابعها لوجد ريحها كل ذي روح»، أي لو أن إحدى الحور العين في الجنة أظهرت إصبعًا منها لانتشر عطرها في العالم كله، فهن في غاية الجمال والطيب.
ثم قال سعيد لزوجته: "أنا أدعهن" أي أنا أترك الحور العين وأزهد فيهن من أجل الله، "لكن والله لأنتن أحق أن أدعكن لهن منهن لكن"، أي لكنني والله أترككن (أي زوجات الدنيا) من أجلهن (الحور العين) لأنكن أحق بالترك من أجل الوصول إليهن.
مقصوده -رضي الله عنه- أنه يزهد في الدنيا وزينتها،包括 زوجته، طمعًا في نعيم الآخرة والحور العين، لكنه في الحقيقة يترك الدنيا كلها من أجل الله، وليس فقط من أجل الحور العين، لكنه خاطب زوجته بما تفهمه.

---

3. الدروس المستفادة منه:

1- الزهد في الدنيا والرغبة في الآخرة: سعيد -رضي الله عنه- فضل التصدق بالمال على الاحتفاظ به، طمعًا في الأجر والثواب عند الله.
2- الصدقة وبركة المال: المؤمن يرى أن الصدقة هي التي تزيد المال بركة وتُرجحه بالأجر، لا كنزه واحتكاره.
3- عدم الرجوع في الصدقة: إذا تصدق الإنسان بشيء، فلا ينبغي له أن يعود فيه أو يطلب من المتصدق عليه رد شيء، لأنه قد يصبح من المنّ الذي يبطل الأجر.
4- الورع والتقوى: سعيد -رضي الله عنه- كان ورعًا حتى في عدم طلب المال ممن تصدق عليهم، خشية أن يكون في ذلك نقص للأجر.
5- الحور العين وحث الزوج على الطاعة: ذكر الحور العين ليس للتحقير من شأن الزوجة، بل للترغيب في الجنة وبيان أن نعيمها أعظم من نعيم الدنيا، مما يحفز الزوجة على مساعدة زوجها في الطاعة والزهد.
6- حسن معاملة الزوجة: رغم زهده، كان يخاطب زوجته بلطف ويبين لها سبب فعله، مما يدل على أهمية التفاهم بين الزوجين.

---

4. معلومات إضافية مفيدة:

● سعيد بن عامر بن حذيم: صحابي جليل، من أهل الصفة، عُرف بالزهد والعبادة.
- **الحديث ضعيف الإسناد