لا تنم حتى توتر

شرح الحديث:

بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمدٍ رسول الله، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد،
حياكم الله و بياكم أيها السائل الكريم، ونسأل الله تعالى أن يوفقنا وإياكم للعلم النافع والعمل الصالح، ولفهم كتابه وسنة نبيه ،وأن يعلمنا ما ينفعنا وينفعنا بما علمنا، وأن يزيدنا علماً وفقهاً وتوفيقاً وأجراً إنه هو الكريم الوهاب. هذا الحديث الذي ذكر حديث عظيم، فيه وصية نبوية كريمة من الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم لصحابي جليل، وهو أبو الدرداء رضي الله عنه. والحديث رواه مسلم في صحيحه.
وفيما يلي شرحٌ وافٍ للحديث، وفق الخطوات المطلوبة:

---

1. شرح المفردات:

* أوصاني: أعطاني نصيحةً وأمراً أكيداً أوصى به.
* حبيبي: المقصود به رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا يدل على محبة أبي الدرداء العميقة للنبي.
* لن أدعهن: لن أترك هذه الوصايا، وسأحرص عليها دائماً.
* ما عشت: طوال حياتي.
* صيام ثلاثة أيام من كل شهر: أي إمساك عن الطعام والشراب وغيرها من المفطرات من طلوع الفجر إلى غروب الشمس في ثلاثة أيام معينة.
* صلاة الضحى: صلاة نافلة تؤدى بعد شروق الشمس وارتفاعها قيد رمح (بعد حوالي ربع ساعة من الشروق) وقبل الظهر.
* لا أنام حتى أوتر: لا أذهب إلى النوم ليلاً حتى أصلي صلاة الوتر، وهي الصلاة الأخيرة في الليل وعدد ركعاتها فردي (ركعة واحدة أو ثلاث أو أكثر).

---

2. المعنى الإجمالي للحديث:

يخبر الصحابي الجليل أبو الدرداء رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أوصاه بثلاث وصايا عظيمة، قد عاهد نفسه على المداومة عليها طيلة عمره، وهي:
* أن يصوم ثلاثة أيام في كل شهر هجري.
* أن يحافظ على أداء صلاة الضحى.
* أن لا ينام في الليل قبل أن يصلي صلاة الوتر.
فهذه الوصايا الثلاث هي من النوافل والسنن التي يحبها الله تعالى ويجزي عليها أجراً عظيماً.

---

3. الدروس المستفادة منه:

1- محبة النبي صلى الله عليه وسلم واتباع وصاياه: قول أبي الدرداء "حبيبي" يدل على مكانة النبي في قلوب أصحابه، وأن محبته تقتضي طاعته واتباع أوامره ونصائحه. فالمؤمن الحقيقي هو من يحب النبي ويقدم قوله على قول أي أحد.
2- الحكمة من المداومة على النوافل: هذه الأعمال الثلاثة ليست فرائض، بل هي سنن ونوافل يتقرب بها العبد إلى الله. المداومة على النوافل تجبر تقصير المسلم في الفرائض، وترفع درجاته عند الله، وهي علامة على محبة العبد لربه، كما في الحديث القدسي: "وما يزال العبد يتقرب إليَّ بالنوافل حتى أحبه".
3- فضل هذه الأعمال الخاصة:
* صيام ثلاثة أيام من كل شهر: يُعدل صوم الدهر كله، لأن الحسنة بعشر أمثالها، فصوم ثلاثة أيام كصوم ثلاثين يوماً. وكان النبي صلى الله عليه وسلم يوصي بها، ويحرص على صومها في الأيام البيض (13، 14، 15 من كل شهر هجري).
* صلاة الضحى: وهي صلاة الأوابين (التوابين إلى الله)، وقليلة (ركعتان إلى ثمان ركعات) ولكن أجرها عظيم، وتكفي عن صدقةٍ عن كل مفصل في جسم الإنسان (وهي 360 صدقة).
* صلاة الوتر: هي من أعظم سنن الليل، وختم اليوم بها من الأمور المحبوبة إلى الله. وهي آخر الصلاة في الليل، ويستحب أن تكون بعد صلاة العشاء وقبل طلوع الفجر.
4- تنظيم الوقت والعبادة: الوصايا الثلاثة تشمل عبادةً في النهار (الصيام والضحى) وعبادة في الليل (الوتر). هذا يعلم المسلم如何 ينظم وقته بين الليل والنهار في طاعة الله.
5- الهمة العالية في الطاعة: حرص أبي الدرداء على عدم النوم قبل الوتر يدل على همة عالية، وخوف من أن يدركه الموت قبل أداء هذه السنة العظيمة.

---

4. معلومات إضافية مفيدة:

* حكم هذه الأعمال: كلها سنة مؤكدة وليست فرضاً، لكن المداومة عليها من علامات صلاح العبد.
* وقت صلاة الضحى: يبدأ من ارتفاع الشمس قيد رمح (بعد طلوعها بحوالي 15-20 دقيقة) إلى قبل أذان الظهر بقليل. وأفضل وقتها حين تشتد الشمس ( أي قبل الظهر بساعة أو ساعتين).
* وقت صلاة الوتر: من بعد صلاة العشاء إلى طلوع الفجر. والأفضل تأخيرها إلى آخر الليل لمن يستطيع القيام، فإن خاف أن لا يقوم آخر الليل فليوتر قبل نومه.
* هذه الوصايا من النبي صلى الله عليه وسلم لأبي الدرداء لا تعني أنها خاصة به، بل هي سنة لكل مسلم ومسلمة يرغب في نيل الأجر والثواب.
أسأل الله تعالى أن يعيننا وإياك على ذكره وشكره وحسن عبادته، وأن يوفقنا للمداومة على السنن والنوافل. وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.