الله يمنعني منك

حديث: الله يمنعني منك

عن جابر، قال: أقبلنا مع رسول الله ﷺ، حتى إذا كُنَّا بذات الرقاع قال كُنَّا إذا أتينا على شجرةٍ ظليلةٍ تركناها لرسول الله ﷺ. قال فجاء رَجُلٌ من المشركين وسيفُ رسول الله ﷺ مُعَلَّقٌ بشجرةٍ، فأخذ سيف نبي الله ﷺ فاخترطه، فقال لرسول الله ﷺ أتخافُني؟ قال: «لا» قال: فمن يمنعك مني؟ قال: «الله يمنَعُني منك» قال فتهدَّدَهُ أصحابُ رسول الله ﷺ: فأغْمَدَ السيفَ وعَلَّقه، قال: فنُودِيَ بالصلاة، فصلَّي بطائفة ركعتين، ثم تأخَّرُوا، وصَلَّى بالطائفة الأخرى ركعتين، قال فكانت لرسُول الله ﷺ أربعُ ركعَاتٍ، ولِلْقوم ركعتان.

صحيح: رواه مسلم في صلاة المسافرين (٨٤٣) عن أبي بكر بن أبي شيبة، حدثنا عفَّان، حدثنا أبان بن يزيد، حدثنا يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة، عن جابر فذكره.

تخريج الحديث كاملاً ⏬

شرح الحديث:

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
حياكم الله و بياكم، وأسأل الله أن يوفقنا وإياكم للعلم النافع والعمل الصالح، ولفهم كتابه وسنة نبيه ،وأن يعلمنا ما ينفعنا وينفعنا بما علمنا، وأن يزيدنا علماً وفقهاً وتوفيقاً وأجراً إنه هو الكريم الوهاب.
هذا حديث عظيم من أحاديث السيرة النبوية، رواه الإمام البخاري في صحيحه، وهو يحمل موقفاً من مواقف النبي ﷺ التي تظهر ثقته بالله تعالى وشجاعته الفائقة. وإليك الشرح المفصل:

1. شرح المفردات:

● ذات الرقاع: اسم مكان، وقيل سمي بذلك لأن الصحابة كانوا يربطون على أرجلهم الخرق من شدة التعب، أو من بقع بيض وحمر في الجبل.
● ظليلة: كثيفة الظل، واسعة الأوراق.
● اخترطه: أخرجه من غمده (غلافه).
● أتخافني: هل تخشى مني وتخاف قتلي لك؟
● أغْمَدَ السيفَ: أعاده إلى غمده (غلافه).
● طائفة: جماعة أو فريق.

2. المعنى الإجمالي للحديث:

يصف الصحابي الجليل جابر بن عبد الله رضي الله عنهما موقفاً حدث في غزوة ذات الرقاع. كان الصحابة مع النبي ﷺ في سفر، وكانوا يتعمدون ترك أفضل الأماكن وأظل الأشجار له ﷺ تكريماً وإجلالاً له.
وفي إحدى هذه اللحظات، بينما كان سيف النبي ﷺ معلقاً على شجرة، اقترب رجل من المشركين، وأخذ سيف النبي ﷺ وسلّه من غمده، ووجهه نحو النبي ﷺ متوعداً ومتسائلاً بسخرية: "أتَخَافُنِي؟" أي هل تخاف مني الآن وأنا مسيطر على سيفك؟
فأجابه النبي ﷺ بثبات إيمان ويقين: "لا"، أي لا أخافك. فاستفزّه الرجل بسؤال آخر متحدياً: "فَمَنْ يَمْنَعُكَ مِنِّي؟" أي من سيمنعني من قتلك الآن؟
فكان الرد الحاسم والموثق الذي يختزل كل معاني التوكل على الله: "اللهُ يَمْنَعُنِي مِنْكَ".
هذا الرد المؤثر، coupled مع تهديد الصحابة الغاضبين للرجل، جعله يتراجع عن غيه، فيعيد السيف إلى غمده ويعلقه مرة أخرى.
ثم بعد هذا الموقف العصيب، أذن للصلاة (صلاة الخوف)، فصلى النبي ﷺ بطائفة من الصحابة ركعتين، ثم انصرفوا وحل مكانهم الطائفة الأخرى فصلى بهم ركعتين. فكان للنبي ﷺ أربع ركعات (ركعتان مع كل طائفة)، بينما حصل كل مصلٍ من الصحابة على ركعتين فقط.

3. الدروس المستفادة منه:

● الثقة المطلقة بالله والاعتماد عليه: الموقف يُجسّد أعلى درجات التوكل على الله واليقين بنصره. فالنبي ﷺ لم يعتمد على قوته أو سيفه، بل على حماية الله له.
● الشجاعة والثبات: النبي ﷺ وقف أمام تهديد الموت بكل رباطة جأش وثبات قلب، لم يظهر عليه خوف أو ذعر، مما أثر في خصمه وأربكه.
● التأدب مع النبي ﷺ وتعظيمه: حرص الصحابة على تخصيص أفضل الأماكن للنبي ﷺ دليل على محبتهم وإجلالهم له، وهو أدب ينبغي أن يتحلى به كل مسلم تجاه نبيه.
● حكمة الصحابة وردعهم للشر: كان لموقف الصحابة الحازم في تهديد الرجل دور في إرجاعه إلى صوابه ودفعه للتراجع.
● تعليم صلاة الخوف: الموقف كان سبباً في بيان صفة صلاة الخوف، وهي من رحمة الله تعالى بتيسير العبادة على عباده حتى في أحلك الظروف وأصعبها.

4. معلومات إضافية مفيدة:

- هذه الحادثة كانت في غزوة ذات الرقاع، والتي كانت ضد قبائل "بنو ثعلبة" و"بنو محارب" من غطفان، وذلك في السنة الرابعة أو السابعة للهجرة.
- الرجل المشرك لم يُذكر اسمه في معظم الروايات، وقيل في بعضها أنه اسمه غورث بن الحارث.
- هذا الموقف يدل على أن النبي ﷺ كان محفوظاً بحفظ الله، فلو أراد الرجل قتله لما استطاع، لأن الله تعالى تكفل بحفظه حتى يبلغ الرسالة.
- صلاة الخوف المذكورة في الحديث هي إحدى الصور المشروعة لها، والتي تعددت صورها وفقاً لاختلاف الأحوال والظروف التي نزلت بها.
أسأل الله تعالى أن يجعلنا من الذين يقتدون بنبيهم ﷺ في ثقتهم بالله وشجاعتهم وأخلاقهم.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

📝 تنبيه هام:

نرحب بتصويباتكم! إذا وجدت أي خطأ في نص الحديث أو السند أو الشرح، فيرجى إبلاغنا عبر صفحة الاتصال:

📧 التواصل للإبلاغ عن خطأ

"مَنْ سَنَّ فِي الإِسْلَامِ سُنَّةً حَسَنَةً فَلَهُ أَجْرُهَا وَأَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا"

تخريج الحديث

رواه مسلم في صلاة المسافرين (٨٤٣) عن أبي بكر بن أبي شيبة، حدثنا عفَّان، حدثنا أبان بن يزيد، حدثنا يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة، عن جابر فذكره.
وعلَّقه البخاري في المغازي (٤١٣٦) عن أبان بن يزيد به ثم قال: وقال مسدد، عن أبي عوانة، عن أبي بشر: اسم الرجل غَوْرَث بن الحارث، وقاتل فيها محارِبَ خصفةَ. انتهي.
يشير البخاري إلى ما رواه مسدد في مسنده، وعنه إبراهيم الحربي في كتابه «غريب الحديث» عن مسدد، عن أبي عوانة، عن أبي بشر، عن سليمان بن قيس، عن جابر قال: غزا رسول الله ﷺ محارب خصفة بنخل، فرأوا من المسلمين غِرَّة، فجاء رجل منهم يقال له: غَوْرَث بن الحارث حتى قام على رسول الله ﷺ له بالسيف، فذكره. وفيه: فقال الأعرابي: غير أني أعاهدك أن لا أقاتلك، ولا أكون مع قوم يقاتلونك. فخلَّى سبيله، فجاء إلى أصحابه فقال: جئتكم من عند خير الناس.
ومن هذا الطريق رواه أيضًا ابن حبان في صحيحه (٢٨٨٣)، ورواه أيضًا (٢٨٨٢) من طريق آخر عن قتادة، عن سليمان اليشكري -وهو ابن قيس- أنه سأل جابر بن عبد الله عن إقصار الصلاة في الخوف: أين أنزل، وأين هو؟ فقال: خرجنا نتلقَّى عِيرًا لقريش أتت من الشام، حتى إذا كنا بنخل جاء رجل إلى رسول الله ﷺ وسيفه موضوع، فذكر الحديث نحوه.
وله أسانيد أخرى غير أن ما ذكرته هو أصحهما.
ولجابر أحاديث أخري سبق بعضها تدل على تعدد القصة.
ورُوي عن أبي بكرة قال: صلَّى النبي ﷺ في خوفٍ الظهر، فصفَّ بعضهم خلفه، وبعضهم بإزاء العدوِّ، فصلي بهم ركعتين ثم سلَّم، فانطلق الذين صلوا معه، فوقفوا موقف أصحابهم، ثم جاء
أولئك فصلوا خلفه فصلي بهم ركعتين ثم سلَّم. فكانت لرسول الله ﷺ أربعًا، ولأصحابه ركعتين ركعتين. وبذلك كان يُفتي الحسن.
رواه أبو داود (١٢٤٨)، والنسائي (١٥٥١) كلاهما من طريق أشعث، عن الحسن، عن أبي بكرة فذكره. واللفظ لأبي داود. ولم يذكر النسائي فتوى الحسن.
وصحّحه ابن حبان (٢٨٨١) فرواه من هذا الوجه.
وفي الإسناد الحسن وهو: البصري مدلس وقد عنعن، وبقية رجاله ثقات، وقد شعر أبو داود بعِلَّة هذا الحديث فقال: وكذلك رواه يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة، عن جابر، عن النبي ﷺ، وكذلك قال سليمان اليشكري، عن جابر، عن النبي ﷺ، انتهي.
قال الأعظمي: إذًا حديث أبي بكرة يكون شاهدًا لحديث جابر، ولكن أعلَّه ابن القطان بأن أبا بكرة، أسلم بعد وقوع صلاة الخوف بمدة. قال الحافظ: وهذه ليست بعلة، فإنه قد يكون مرسل صحابي.
ثم قال أبو داود: وكذلك في صلاة المغرب: يكون للإمام ست ركعات، وللقوم ثلاث ثلاث.
قال الأعظمي: وصله ابن خزيمة (١٣٦٨) عن محمد بن معمر بن ربعي العتيبي، ثنا عمرو بن خليفة البكراوي، ثنا أشعث، عن الحسن، عن أبي بكرة، أنَّ النبي ﷺ صلَّى بالقوم صلاة المغرب ثلاث ركعات، ثم انصرف، وجاء الآخرون فصلَّي بهم ثلاث ركعات، فكانت للنبي ﷺ ستّ ركعات، وللقوم ثلاث ثلاث، ومن طريق ابن خزيمة رواه الدارقطني (٢/ ٦١)، قال الحاكم (١/ ٣٣٧): سمعت أبا علي الحافظ يقول: «هذا حديث غريب، أشعث الحمراني لم يكتبه إلَّا بهذا الإسناد».
وقال الحاكم: «وإنه صحيح على شرط الشيخين».
وعمرو بن خليفة البكراوي كنيته أبو عثمان، ذكره ابن حبان في الثقات (٧/ ٢٢٩) وقال: «وربما كان في بعض رواياته مناكير» وترجمة الحافظ في «اللسان» ولم يخرج عنه الشيخان البتة، ولعل من مناكيره ذكر صلاة المغرب فإنه انفرد عما رواه الثقات عن أشعث.

العودة إلى الأعلى

أحاديث لها شرح في هذا الكتاب (عرض 50 حديثاً حول الحديث الحالي)

الحديث الحالي في المركز 1123 من أصل 1241 حديثاً له شرح

معلومات عن حديث: الله يمنعني منك

📜 حديث: الله يمنعني منك

نص الحديث الشريف كاملاً مع ذكر الرواة وسند الحديث المتصل بسلسلة الإسناد الصحيحة حتى النبي محمد صلى الله عليه وسلم.
🔍 صحة حديث: الله يمنعني منك

تحليل درجة صحة الحديث من حيث السند والمتن وفق معايير علم الحديث، مع بيان حكم العلماء عليه من حيث القبول والرد.
📖 تخريج حديث: الله يمنعني منك

تخريج الحديث من مصادر السنة النبوية المعتمدة وكتب الصحاح والسنن، مع ذكر أماكن وروده في المصادر الحديثية المختلفة.
📚 شرح حديث: الله يمنعني منك

شرح وافي للمعاني والمفردات والفوائد المستنبطة من الحديث، مع بيان الأحكام الشرعية والعبر المستفادة لتطبيقها في الحياة العملية.

قراءة القرآن الكريم

سورة البقرة	آل عمران	سورة النساء
سورة المائدة	سورة يوسف	سورة ابراهيم
سورة الحجر	سورة الكهف	سورة مريم
سورة الحج	سورة القصص	العنكبوت
سورة السجدة	سورة يس	سورة الدخان
سورة الفتح	سورة الحجرات	سورة ق
سورة النجم	سورة الرحمن	سورة الواقعة
سورة الحشر	سورة الملك	سورة الحاقة
سورة الانشقاق	سورة الأعلى	سورة الغاشية