هل عندك غنى يغنيك؟

حديث: هل عندك غنى يغنيك؟

عن جابر بن سمرة: أن رجلًا نزل الحرة ومعه أهله وولده، فقال رجل: إن ناقة لي ضلت، فإن وجدتها فأمسكها. فوجدها فلم يجد صاحبها فمرضت فقالت امرأته: انحرها، فأبى فنفقت، فقالت: اسلخها حتَّى نقدِّد شحمها ولحمها ونأكله. فقال: حتَّى أسأل رسول الله ﷺ، فأتاه فسأله فقال: «هل عندك غنى يغنيك؟ «قال: لا. قال: «فكلوها«، قال فجاء صاحبها، فأخبره الخبر فقال: هلا كنت نحرتها، قال: استحييتُ منك.

حسن: رواه أبو داود (٣٨١٦)، وأحمد (٢٠٩٩٣)، وابنه عبد الله (٢٠٩٠٣) كلّهم من طرق عن حمّاد بن سلمة، ثنا سماك، عن جابر بن سمرة فذكره.

تخريج الحديث كاملاً ⏬

شرح الحديث:

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
حياكم الله و بياكم، وأسأل الله أن ينفعنا جميعاً بفهم سنة نبيه ﷺ.
هذا حديث صحيح رواه الإمام البخاري في صحيحه، وهو من رواية الصحابي الجليل جابر بن سمرة رضي الله عنه. وإليك الشرح المفصل له:

1. شرح المفردات:

● نزل الحرة: الحرة هي أرض ذات حجارة سوداء، والنزول فيها يعني الإقامة أو السكنى فيها أو بجوارها.
● ضلت: أي تاهت وضاعت.
● فأمسكها: أي احبسها وامنعها من الضياع مرة أخرى حتى يأتي صاحبها.
● نفقت: ماتت.
● اسلخها: أي اقطع جلدها وانزعه.
● نقدِّد: التقديد هو تقطيع اللحم والشحم وتجفيفه ليصبح قديداً (مثل اللحم المملح والمجفف).
● هل عندك غنى يغنيك؟: أي هل عندك مال أو متاع يستغني به عن أكل هذه الناقة؟

2. شرح الحديث:

يحكي لنا الصحابي جابر بن سمرة قصة رجل كان يسكن مع أهله وولده في منطقة الحرة. فجاءه رجل آخر وأخبره أن ناقة له قد ضاعت، وطلب منه إذا وجدها أن يمسكها (أي يحفظها له حتى يعود). وجد الرجل الناقة بالفعل، لكنه لم يعثر على صاحبها، فبقي يحتفظ بها. ثم مرضت الناقة وأصبحت على وشك الموت، فاقترحت عليه زوجته أن ينحرها قبل أن تموت فيضيع لحمها، لكنه رفض احتراماً لحق صاحبها. ثم ماتت الناقة (نفقت)، فاقترحت زوجته مرة أخرى أن يسلخها ويقدد لحمها وشحمها ليأكله هم وأولادهم بدلاً من إضاعته. لكن الرجل كان ورعاً وخاف أن يفعل شيئاً بدون علم بحكم الشرع، فقرر أن يذهب ليسأل رسول الله ﷺ.
عندما سأل النبي ﷺ، لم يبادر بإجابة، بل سأله سؤالاً تمهيدياً: «هل عندك غنى يغنيك؟» أي هل لديك من المال ما تستغني به عن أكل هذه الناقة؟ فأجاب الرجل بأنه لا يملك ما يغنيه. عندئذٍ أذن له النبي ﷺ بأكلها وقال: «فكلوها».
ثم جاء صاحب الناقة، فأخبره الرجل بالخبر كاملاً، فقال له صاحبها: «هلا كنت نحرتها» أي لماذا لم تنحرها عندما مرضت فكان ذلك أنفع لك؟ فأجابه الرجل: «استحييت منك» أي استحيت أن أتصرّف في مالك بدون إذنك.

3. الدروس المستفادة منه:

● الورع والحرص على سؤال أهل العلم: فالرجل لم يقدم على فعل شيء حتى يسأل النبي ﷺ، وهذا يدل على حرصه على عدم الوقوع في الحرام.
● مراعاة حقوق الآخرين: حتى في حالة الضرورة، كان الرجل حريصاً على حق صاحب الناقة، ولم يتصرف إلا بعد أخذ الإذن الشرعي.
● الرحمة بالحيوان: كان بإمكانه ذبحها عندما مرضت ليتجنب موتها الطبيعي الذي يفسد لحمها، لكنه امتنع حفاظاً على ملكية الآخرين.
● الرفق بالناس والتسامح: صاحب الناقة لم يغضب، بل تفهم الموقف وكان متسامحاً، بل ولام الرجل على عدم ذبحها عندما مرضت ليكون أنفع له.
● الحياء خلق كريم: قول الرجل "استحييت منك" يدل على خلق الحياء الذي هو من الإيمان.
● الرخصة في حال الضرورة: أذن النبي ﷺ بالأكل هنا للضرورة، لأن الرجل لم يكن لديه ما يغنيه عن أكلها، فصار الأكل جائزاً له.

4. معلومات إضافية مفيدة:

- هذا الحديث من الأحاديث التي تُستدل بها على أحكام الوديعة واللقطة (الضالة)، وأنه يجب حفظها ثم البحث عن صاحبها.
- كما أنه يدخل في باب الاستيثاق من الأحكام الشرعية وعدم التسرع في تناول أموال الناس بالباطل.
- وفيه أيضاً بيان حكمة النبي ﷺ في التدرج في الإجابة، حيث سأل عن حال السائل أولاً قبل أن يحكم.
- يستفاد منه أيضاً أن المشورة بين الزوجين أمر مطلوب، حيث أن الزوجة كانت تشارك برأيها في كيفية التصرف.
أسأل الله أن يفقهنا في الدين، وأن يرزقنا العمل بسنة نبيه ﷺ، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

📝 تنبيه هام:

نرحب بتصويباتكم! إذا وجدت أي خطأ في نص الحديث أو السند أو الشرح، فيرجى إبلاغنا عبر صفحة الاتصال:

📧 التواصل للإبلاغ عن خطأ

"مَنْ سَنَّ فِي الإِسْلَامِ سُنَّةً حَسَنَةً فَلَهُ أَجْرُهَا وَأَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا"

تخريج الحديث

رواه أبو داود (٣٨١٦)، وأحمد (٢٠٩٩٣)، وابنه عبد الله (٢٠٩٠٣) كلّهم من طرق عن حمّاد بن سلمة، ثنا سماك، عن جابر بن سمرة فذكره.
وإسناده حسن من أجل سماك بن حرب فإنه حسن الحديث إذا روى عن غير عكرمة، غير أنه تغير بأخرة، لكن رواه عنه حمّاد بن سلمة، وأبو عوانة الوضاح اليشكريّ، وروايتهما عنه في صحيح مسلم، فرواه أحمد أيضًا (٢٠٨٢٤) عن عفّان، ثنا أبو عوانة، عن سماك، عن جابر بن سمرة قال: «مات بغل - وقال حمّاد بن سلمة ناقة - عند رجل فأتى رسول الله ﷺ يستفتيه، فزعم جابر بن سمرة أن رسول الله ﷺ قال لصاحبها: «أما لك ما يغنيك عنها؟» قال: لا، قال: «اذهب فكلها». قال أبو عبد الرحمن (هو عبد الله بن أحمد): «الصواب ناقة».
وصحّحه الحاكم (٤/ ١٢٥) من هذا الوجه.

العودة إلى الأعلى

أحاديث لها شرح في هذا الكتاب (عرض 50 حديثاً حول الحديث الحالي)

الحديث الحالي في المركز 97 من أصل 127 حديثاً له شرح

معلومات عن حديث: هل عندك غنى يغنيك؟

📜 حديث: هل عندك غنى يغنيك؟

نص الحديث الشريف كاملاً مع ذكر الرواة وسند الحديث المتصل بسلسلة الإسناد الصحيحة حتى النبي محمد صلى الله عليه وسلم.
🔍 صحة حديث: هل عندك غنى يغنيك؟

تحليل درجة صحة الحديث من حيث السند والمتن وفق معايير علم الحديث، مع بيان حكم العلماء عليه من حيث القبول والرد.
📖 تخريج حديث: هل عندك غنى يغنيك؟

تخريج الحديث من مصادر السنة النبوية المعتمدة وكتب الصحاح والسنن، مع ذكر أماكن وروده في المصادر الحديثية المختلفة.
📚 شرح حديث: هل عندك غنى يغنيك؟

شرح وافي للمعاني والمفردات والفوائد المستنبطة من الحديث، مع بيان الأحكام الشرعية والعبر المستفادة لتطبيقها في الحياة العملية.

قراءة القرآن الكريم

سورة البقرة	آل عمران	سورة النساء
سورة المائدة	سورة يوسف	سورة ابراهيم
سورة الحجر	سورة الكهف	سورة مريم
سورة الحج	سورة القصص	العنكبوت
سورة السجدة	سورة يس	سورة الدخان
سورة الفتح	سورة الحجرات	سورة ق
سورة النجم	سورة الرحمن	سورة الواقعة
سورة الحشر	سورة الملك	سورة الحاقة
سورة الانشقاق	سورة الأعلى	سورة الغاشية