ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت

حديث: ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت

عن ابن عباس قال: إن أبا بكر رضي الله عنه خرج وعمر رضي الله عنه يكلم الناس، فقال: اجلس، فأبى، فقال: اجلس، فأبى، فتشهد أبو بكر رضي الله عنه، فمال إليه الناس وتركوا عمر، فقال: أما بعد، فمن كان منكم يعبد محمدا ﷺ فإن محمدا ﷺ قد مات، ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت، قال الله تعالى: ﴿وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ﴾ إلى ﴿الشَّاكِرِينَ﴾ [آل عمران: ١٤٤] والله لكأن الناس لم يكونوا يعلمون أن الله أنزلها حتى تلاها أبو بكر رضي الله عنه، فتلقاها منه الناس، فما يُسمع بشر إلا يتلوها.

صحيح: رواه البخاري في الجنائز (١٢٤١، ١٢٤٢) عن بشر بن محمد، أنا عبد الله، أخبرني معمر ويونس، عن الزهري، أخبرني أبو سلمة، قال: أخبرني ابن عباس أن أبا بكر فذكره.

تخريج الحديث كاملاً ⏬

شرح الحديث:

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
فهذا حديث عظيم يرويه الصحابي الجليل عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، ويحكي قصة ذات أهمية كبرى في تاريخ الإسلام، وهي ردّة الفعل على خبر وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، وكيف تعامل الصحابة مع هذه الصدمة العظيمة.

شرح المفردات:

● فأبى: رفض وأعرض.
● فمال إليه الناس: توجهوا إليه واستمعوا له.
● فتشهد أبو بكر: أي نطق بالشهادتين قبل أن يبدأ كلامه، كما كان يفعل المسلمون عند الخطبة.
● فتلقاها منه الناس: قبلوها ووعوها واستجابوا لها.
● فما يُسمع بشر إلا يتلوها: لا يسمع أحد إلا وهو يردد هذه الآية.

شرح الحديث:

يصف ابن عباس رضي الله عنهما الموقف العصيب الذي حدث بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم. فقد ذُهل المسلمون وانهارت عزائم بعضهم، ووقف عمر بن الخطاب رضي الله عنه، الذي كان في حالة إنكار وصدمة، يخاطب الناس قائلاً إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يمت وسيعود، في محاولة منه – بدافع الحب الشديد للنبي – لتهدئة النفوس، ولكنها كانت محاولة غير صائبة في ذلك الموقف.
فجاء أبو بكر الصديق رضي الله عنه، وهو الذي كان قد ذهب إلى بيت عائشة حيث جثمان النبي الطاهر، فأيقن بالوفاة، فطلب من عمر أن يجلس ليكلم الناس، فلما أصر عمر على موقفه، تقدم أبو بكر فتشهد (أي قال: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله) فاجتمع الناس حوله ليعرفوا ما سيقوله.
فخطب في الناس خطبته الخالدة، التي هدأت من روعهم وردتهم إلى صوابهم، فقال: "أما بعد، فمن كان منكم يعبد محمداً فإن محمداً قد مات، ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت".
ثم استشهد بالآية الكريمة من سورة آل عمران: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ ۚ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَىٰ أَعْقَابِكُمْ ۚ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا ۗ وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ} [آل عمران: 144].
فكانت هذه الآية هي الترياق والبلسم الذي شفى صدور القوم، وأعادهم إلى وعيهم وإيمانهم. وقد أعجب ابن عباس بهذا الموقف فقال: "والله لكأن الناس لم يكونوا يعلمون أن الله أنزلها حتى تلاها أبو بكر"، أي أنهم كانوا يعرفون الآية ولكنهم في حالة الصدمة نسوا دلالتها وعظمتها، فجاء أبو بكر ليذكرهم بها في الوقت المناسب، فما سمعها أحد إلا وأخذ يرددها ويعي معناها.

الدروس المستفادة منه:

1- حكمة أبي بكر وفضله: يظهر هذا الموقف الفارق بين ذهول عمر – رغم فضله – وحكمة أبي بكر ورباطة جأشه، مما جعله الأحق بالخلافة، فهو أفضل الأمة بعد نبيها.
2- الرد على الصدمات بالقرآن: المخرج من أي أزمة هو الرجوع إلى كتاب الله وسنة نبيه، فكلام الله هو الشفاء والهدى.
3- التفريق بين الرسول والرسالة: النبي صلى الله عليه وسلم بشر يموت، ولكن الرسالة خالدة، والله الذي أرسله هو الحي الذي لا يموت. فالحب للنبي لا يجب أن يصل إلى درجة التأليه أو الغلو.
4- الاستعداد لموت الأعزاء: الموت حق، وكل نفس ذائقة الموت، حتى الأنبياء والمرسلين.
5- دور القيادة الحكيمة في الأزمات: في أحلك الظروف وأصعب اللحظات، تظهر الحكمة والثبات، ويحتاج الناس إلى قائد حكيم يهدئ روعهم ويردهم إلى جادة الصواب.

معلومات إضافية:

- هذا الحديث رواه البخاري في صحيحه في كتاب فضائل الصحابة، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: "لو كنت متخذاً خليلاً"، وهو من الأحاديث المتواترة في فضل أبي بكر الصديق.
- استدل العلماء بهذا الحديث على أفضلية أبي بكر على جميع الصحابة، لسابقيه في الإسلام، ولثباته في المواقف الصعبة، ولحكمته التي نفع الله بها الأمة.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

📝 تنبيه هام:

نرحب بتصويباتكم! إذا وجدت أي خطأ في نص الحديث أو السند أو الشرح، فيرجى إبلاغنا عبر صفحة الاتصال:

📧 التواصل للإبلاغ عن خطأ

"مَنْ سَنَّ فِي الإِسْلَامِ سُنَّةً حَسَنَةً فَلَهُ أَجْرُهَا وَأَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا"

تخريج الحديث

رواه البخاري في الجنائز (١٢٤١، ١٢٤٢) عن بشر بن محمد، أنا عبد الله، أخبرني معمر ويونس، عن الزهري، أخبرني أبو سلمة، قال: أخبرني ابن عباس أن أبا بكر فذكره.

العودة إلى الأعلى

أحاديث لها شرح في هذا الكتاب (عرض 50 حديثاً حول الحديث الحالي)

الحديث الحالي في المركز 54 من أصل 643 حديثاً له شرح

معلومات عن حديث: ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت

📜 حديث: ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت

نص الحديث الشريف كاملاً مع ذكر الرواة وسند الحديث المتصل بسلسلة الإسناد الصحيحة حتى النبي محمد صلى الله عليه وسلم.
🔍 صحة حديث: ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت

تحليل درجة صحة الحديث من حيث السند والمتن وفق معايير علم الحديث، مع بيان حكم العلماء عليه من حيث القبول والرد.
📖 تخريج حديث: ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت

تخريج الحديث من مصادر السنة النبوية المعتمدة وكتب الصحاح والسنن، مع ذكر أماكن وروده في المصادر الحديثية المختلفة.
📚 شرح حديث: ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت

شرح وافي للمعاني والمفردات والفوائد المستنبطة من الحديث، مع بيان الأحكام الشرعية والعبر المستفادة لتطبيقها في الحياة العملية.

قراءة القرآن الكريم

سورة البقرة	آل عمران	سورة النساء
سورة المائدة	سورة يوسف	سورة ابراهيم
سورة الحجر	سورة الكهف	سورة مريم
سورة الحج	سورة القصص	العنكبوت
سورة السجدة	سورة يس	سورة الدخان
سورة الفتح	سورة الحجرات	سورة ق
سورة النجم	سورة الرحمن	سورة الواقعة
سورة الحشر	سورة الملك	سورة الحاقة
سورة الانشقاق	سورة الأعلى	سورة الغاشية