إذا اقترب الزمان لم تكد تكذب رؤيا المؤمن

شرح الحديث:

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
حياكم الله و بياكم، وأسأل الله أن يوفقنا وإياكم للعلم النافع والعمل الصالح، ولفهم كتابه وسنة نبيه ،وأن يعلمنا ما ينفعنا وينفعنا بما علمنا، وأن يزيدنا علماً وفقهاً وتوفيقاً وأجراً إنه هو الكريم الوهاب. هذا حديث عظيم فيه بيان لأمر الرؤيا وعلاقتها بالزمان وعلامات قرب الساعة، وسأشرحه لك جزءاً جزءاً مستعيناً بالله ومستنداً إلى كبار شراح الحديث من أهل السنة والجماعة.

---

أولاً. شرح المفردات:

● اقترب الزمان: المقصود هنا اقتراب قيام الساعة ودنو الزمان من نهايته، وهو من علاماتها الصغرى.
● لم تكد تكذب رؤيا المؤمن: أي أن رؤيا المؤمن تصدق وتتحقق في الغالب، ولا تكاد تكون كاذبة.
● جزء من ستة وأربعين جزءاً من النبوة: هذا بيان لشرف الرؤيا الصالحة وأنها من آثار النبوة وإلهام الله لعبده.
● حديث النفس: ما يراه الإنسان في منامه نتيجة ما يشغل به باله في اليقظة.
● تخويف الشيطان: ما يوسوس به الشيطان في المنام ليخيف العبد ويحزنه.
● بشرى من الله: الرؤيا الصالحة التي يبشر الله بها عباده.
● الغل في النوم: الغل هو القيد الثقيل أو الأغلال، وكانوا يكرهون رؤيته في المنام.
● القيد: وهو ما يقيد به الأيدي، وكان يعجبهم رؤيته.

---

ثانياً. شرح الحديث:

هذا الحديث رواه الإمام البخاري في صحيحه، وفيه عدة معاني:
1- "إذا اقترب الزمان لم تكد تكذب رؤيا المؤمن":
هذا إخبار من النبي ﷺ بعلامة من علامات قرب الساعة، حيث تكثر الرؤى الصادقة للمؤمنين وتتحقق، وذلك لأن النفوس تصفو وتقل الشواغل الدنيوية، فيقترب المؤمن من ربه، فيصدق حديث نفسه في المنام. وهذا من فضل الله على المؤمنين في آخر الزمان، يعوضهم عن ضعف الإيمان وكثرة الفتن بالرؤى الصالحة التي تثبتهم وتبشرهم.
2- "ورؤيا المؤمن جزء من ستة وأربعين جزءاً من النبوة":
هذا بيان لعظم منزلة الرؤيا الصالحة، فهي من بقايا النبوة، حيث كان الأنبياء يوحى إليهم في المنام قبل البعثة، كما حدث مع النبي ﷺ حين بدأ الوحي بالرؤيا الصادقة. والعدد المذكور (46) له تفسيران عند العلماء:
- الأول: أن النبوة استمرت 23 سنة، وكان أول الوحي الرؤيا الصادقة لمدة ستة أشهر، فهي نصف سنة من 23 سنة، والنصف من 46 هو 23، فصارت الرؤيا جزءاً من 46 جزءاً.
- الثاني: أن العدد ليس مقصوداً لذاته، بل المقصود التقليل لبيان أن الرؤيا جزء صغير من النبوة، لكنه شريف لاتصاله بها.
3- "والرؤيا ثلاث: حديث النفس، وتخويف الشيطان، وبشرى من الله":
هذا تقسيم للرؤى أنواعها:
● حديث النفس: وهو ما يراه الإنسان نتيجة تفكيره في أمر ما بالنهار، فيراه في المنام.
● تخويف الشيطان: وهو ما يخوف به الشيطان العبد ليحزنه ويقلقه، كرؤية المصائب أو المواقف المخيفة.
● بشرى من الله: وهي الرؤيا الصالحة التي يراها المؤمن فتسره، وهي من الله تعالى.
4- "فمن رأى شيئاً يكرهه فلا يقصه على أحد، وليقم فليصل":
هذا علاج لمن رأى رؤيا سيئة:
- ألا يحدث بها أحداً، حتى لا تتحقق أو يتلاعب بها الشيطان.
- أن يقوم ويتوضأ ويصلي ركعتين، ثم يستعيذ بالله من شرها، ويبصق عن يساره ثلاثاً، ويقول: "أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ومن شر ما رأيت".
- ولا يفسرها لنفسه ولا لغيره، بل ينساها ويستعيذ بالله منها.
5- "وكان يكره الغل في النوم، وكان يعجبهم القيد، ويقال: القيد ثبات في الدين":
● الغل: وهو القيد الثقيل، وكان يكره لأنه قد يكون إشارة إلى الأسر أو الشدة.
● القيد: وهو ما يقيد به، ويعجبهم لأنه يدل على الثبات في الدين وعدم الانحراف، كأن الإنسان مقيد بالطاعة والاستقامة.

---

ثالثاً. الدروس المستفادة:

1. الرؤيا الصالحة من الله، وهي من علامات الإيمان وحسن الظن بالله.
2. ينبغي للمؤمن أن يعرف أنواع الرؤى وكيفية التعامل معها، خاصة إذا كانت سيئة.
3. الإكثار من الصلاة والاستعاذة بالله عند رؤية ما يكره.
4. التفاؤل بالرؤيا الصالحة وتذكر أنها من الله.
5. التقرب إلى الله بالإيمان والعمل الصالح لتصفو الرؤى.

---

رابعاً. معلومات إضافية:

- هذا الحديث يدل على عظم مكانة الرؤيا في الإسلام، وأنها من أسباب الثبات والتثبيت.
- ينبغي عدم الاعتماد الكلي على الرؤى في أمور الدين، بل الرجوع إلى القرآن والسنة.
- من رأى رؤيا صالحة فليحمد الله ويحدث بها من يحب، ولا يحدث بها إلا عالماً أو ناصحاً.
أسأل الله أن يجعلنا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.