لا تقصوا الرؤيا إلا على عالم أو ناصح

شرح الحديث:

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد،
حياكم الله و بياكم، ونسأل الله أن يوفقنا وإياكم للعلم النافع والعمل الصالح، ولفهم كتابه وسنة نبيه ،وأن يعلمنا ما ينفعنا وينفعنا بما علمنا، وأن يزيدنا علماً وفقهاً وتوفيقاً وأجراً إنه هو الكريم الوهاب. هذا حديث عظيم فيه توجيه نبوي كريم في كيفية التعامل مع الرؤى، وسأشرحه لك على النحو التالي:
### أولاً. نص الحديث ومصدره
الحديث رواه الإمام الترمذي في سننه، والإمام ابن ماجه، وغيرهما عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا تَقُصُّوا الرُّؤْيَا إِلَّا عَلَى عَالِمٍ أَوْ نَاصِحٍ».
وقد حسنه عدد من أهل العلم، وهو من الأحاديث التي يعمل بها العلماء في باب الرؤى وتعبيرها.

### ثانياً. شرح المفردات
● لا تَقُصُّوا: النهي عن حكاية الرؤيا وإخبار الناس بها.
● الرُّؤْيَا: ما يراه الإنسان في منامه، وهي على أنواع: منها ما هو من الله تعالى (الرؤيا الصالحة)، ومنها ما هو من الشيطان (أضغاث أحلام)، ومنها ما هو حديث نفس.
● عَالِمٍ: أي الشخص العالم بتأويل الرؤى وتعبيرها، المطلع على قواعدها وأصولها، العارف بأحوال الناس وأزمنتهم.
● أَوْ نَاصِحٍ: الشخص الذي يريد الخير لك، وينصحك بصدق، ولا يحسدك على ما قد يكون في رؤياك من بشارة.

### ثالثاً. شرح الحديث ومعناه الإجمالي
يوجهنا النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث إلى أدب مهم عند رؤية الإنسان مناماً (حُلماً) ورغبته في معرفة تفسيره. فلا ينبغي له أن يحدث به أي إنسان، بل يتحرى في اختيار من يخبره به.
فالرؤيا، خاصة الصادقة منها، قد تحمل بشارة بخير، أو تحذيراً من شر، أو إشارة إلى أمر مهم. وإذا قصها صاحبها على شخص جاهل بتأويلها، فقد يفسرها له تفسيراً خاطئاً فيُدخِل عليه همّاً وقلقاً لا داعي له، أو يفسد عليه فرحته ببشارة فيها.
وكذلك إذا قصها على حاسد أو شخص غير ناصح، فقد يحسده على ما فيها من خير، أو يتمنى له الشر، أو يتلاعب بتفسيرها لإيذائه.
لذلك، حصر النبي صلى الله عليه وسلم القصص على فئتين:
1- العالم: لأنه يفهم معناها الصحيح، فيؤولها لك تأويلاً سليماً ينفعك ولا يضرك.
2- الناصح: لأنه يحرص على مصلحتك، حتى لو لم يكن خبيراً في التعبير، فلن يحسدك وسينصحك بما فيه خيرك، وقد يدلك على عالم إذا كانت الرؤيا تحتاج إلى تفسير متخصص.

### رابعاً. الدروس المستفادة والفَوائد
1- الحث على التخصص والرجوع لأهله: في كل مجال من مجالات الحياة، ومنها تفسير الرؤى، يجب الرجوع إلى العالم المتخصص الذي يعرف أصول الفن وقواعده.
2- التحذير من التفسيرات العشوائية: تفسير الرؤى بدون علم قد يؤدي إلى إيذاء الناس وإدخال الهموم عليهم، أو إعطائهم أملاً كاذباً.
3- اختيار جليس الخير: الحديث يحثنا على أن نحيط أنفسنا بالناصحين المشفقين، الذين يريدون لنا الخير، ونتجنب الجاهل والحاسد.
4- تقدير نعمة الرؤيا الصالحة: الرؤيا الصالحة جزء من النبوة (كما في الحديث الصحيح)، فيجب التعامل معها بأدب وعدم إضاعتها بإخبار من لا يحسنها.
5- حسن الظن بالله: حتى إذا فُسِّرت الرؤيا بتأويل غير محبب، فعلى المسلم أن يحسن الظن بالله تعالى، ويتفاءل بالخير، فالعالم الحقيقي يفسرها في إطار التفاؤل وعدم إدخال الفزع على الناس.

---

خامساً:

معلومات إضافية مفيدة
- ليس كل ما يراه الإنسان في منامه يحتاج إلى تفسير. فكثير من الأحلام هي "أضغاث أحلام" ناتجة عن حديث النفس أو تخيلات اليوم.
- من آداب الرؤيا: أن يحمد الله عليها، وأن يتفاءل بخيرها، وأن يُحدِّث بها من يحب، ولا يحدث بها من لا يحب (كما في رواية أخرى).
- إذا رأى الإنسان ما يكره، فليستعذ بالله من شرها، ومن شر الشيطان، ولا يذكرها لأحد، فإنها لا تضره.
- من أعظم كتب تفسير الرؤى المعتمدة لدى أهل السنة كتاب "تعطير الأنام في تعبير المنام" للشيخ عبد الغني النابلسي، مع ضرورة فهم أن التعبير يختلف باختلاف الأشخاص والأحوال.
أسأل الله تعالى أن يرزقنا الرؤيا الصالحة، وأن يعلمنا ما ينفعنا، وينفعنا بما علمنا.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.