عمر بن الخطاب وعليه قميص يجرّه

حديث: عمر بن الخطاب وعليه قميص يجرّه

عن أبي سعيد الخدريّ، قال: قال رسول اللَّه ﷺ: «بينما أنا نائم رأيتُ الناس يعرضون عليَّ، وعليهم قميص منها ما يبلغ الثُّدي ومنها ما دون ذلك، وعرض عليّ عمر ابن الخطاب وعليه قميص يجرّه» قالوا: فما أوّلتَ ذلك يا رسول اللَّه؟ قال: «الدّين».

متفق عليه: رواه البخاريّ في الإيمان (٢٣)، ومسلم في الفضائل (٢٣٩٠) كلاهما عن إبراهيم ابن سعد، عن صالح بن كيسان، عن ابن شهاب، عن أبي أمامة بن سهل، أنه سمع أبا سعيد الخدريّ، فذكره.

تخريج الحديث كاملاً ⏬

شرح الحديث:

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
حياكم الله و بياكم، وأسأل الله أن ينفعنا بما نعلم ويعلمنا ما ينفعنا.
هذا حديث عظيم رواه الإمام مسلم في صحيحه، وفيه رؤيا من رؤى النبي صلى الله عليه وسلم التي فسرها بنفسه، وهي تحمل معاني عميقة ودروساً عظيمة.

أولاً. شرح مفردات الحديث:

● يعرضون عليَّ: يُمرُّون أمامي لأراهم.
● قميص: هنا كناية عن الدين والالتزام به، كما فسره النبي صلى الله عليه وسلم.
● ما يبلغ الثدي: ما يصل إلى الصدر فقط، أي أنه قصير لا يستر كل الجسد.
● ما دون ذلك: أقصر من ذلك، أي أن بعضها لا يغطي إلا جزءاً يسيراً.
● يجرّه: يسحبه خلفه لأنه طويل جداً فزائد عن حاجة الجسم، كناية عن الاتساع والكمال.

ثانياً. المعنى الإجمالي للحديث:

يروي النبي صلى الله عليه وسلم رؤيا رأها في منامه، حيث شاهد الناس يمرون أمامه، وكل واحد منهم يرتدي قميصاً. لكن أطوال هذه القمصان مختلفة جداً:
- فمن الناس من قميصه قصير جداً بالكاد يغطي أعلى جسمه.
- ومنهم من قميصه أقصر من ذلك، لا يستره بشكل كاف.
- ثم مر عليه عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وكان قميصه ليس قصيراً ولا عادياً، بل كان طويلاً جداً يجرّه على الأرض وراءه.
فسر النبي صلى الله عليه وسلم هذه الرؤيا بأن القميص هو الدين. فقصر القميص وعدم استيعابه للجسد يدل على قلة الدين وضعف التمسك به، وعدم استيعابه لشؤون الحياة. أما طول قميص عمر رضي الله عنه وزائد عن الحاجة، فهو كناية عن اتساع دينه، وكمال تمسكه، وسعة فهمه للدين، حتى إنه ليغطي جميع جوانب حياته ويُفْهِمُه في أمور دينه ودنياه.

ثالثاً. الدروس المستفادة والعبر:

1- تفاضل الناس في الدين: فالناس ليسوا سواء في تمسكهم بدينهم وفهمهم له، فمنهم المقصر ومنهم المقتصد ومنهم السابق بالخيرات. والله تعالى يقول: {هُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ اللَّهِ} [آل عمران: 163].
2- منزلة عمر بن الخطاب رضي الله عنه: تبين هذه الرؤيا المكانة العظيمة التي حظي بها الفاروق عمر رضي الله عنه عند الله ورسوله، حيث كان مثالاً للتمسك الكامل بالدين، والفقه الواسع فيه. وقد وردت نصوص كثيرة تمدح علمه وفقهه، مثل قوله صلى الله عليه وسلم: «بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ شَرِبْتُ -يَعْنِي اللَّبَنَ- حَتَّى أَنْظُرَ إِلَى الرِّيِّ يَجْرِي فِي أَظْفَارِي، ثُمَّ نَاوَلْتُ عُمَرَ» قَالُوا: فَمَا أَوَّلْتَهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «العِلْمَ». (متفق عليه).
3- الدين هو الزي الحقيقي للإنسان: فكما أن القميص يستر الجسد ويجمله، فالدين هو الذي يستر الإنسان من المعاصي والآثام، ويجمله بالفضائل والأخلاق الكريمة، وهو عنوانه في الدنيا والآخرة.
4- سعة الإسلام وشموليته: قميص عمر الطويل الزائد عن الحاجة يدل على أن الدين الإسلامي ليس مجرد طقوس عبادية فحسب، بل هو نظام حياة كامل يغطي جميع المجالات: السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، والأخلاقية. وهذا ما تميز به فهم عمر رضي الله عنه للدين.
5- فضل الفقه في الدين: ليس المطلوب فقط أن يكون للإنسان دين، بل المطلوب أن يكون دينه واسعاً عميقاً، يهديه في كل صغيرة وكبيرة. وهذا معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم: «مَنْ يُرِدِ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ». (متفق عليه).
6- صدق رؤيا الأنبياء: رؤى الأنبياء حق ووحي من الله تعالى، وهي من أنواع الوحي التي كان يوحى بها إلى النبي صلى الله عليه وسلم.

رابعاً. معلومات إضافية مفيدة:

- هذا الحديث من أعلام نبوة النبي صلى الله عليه وسلم، حيث أخبر عن أمر غيبي تحقق في واقع الأمة، وهو ما تميز به عمر رضي الله عنه من سعة العلم والفقه في الدين حتى صار مرجعاً للأمة في حياته وبعد مماته.
- يستدل العلماء بهذا الحديث على فضل عمر بن الخطاب رضي الله عنه وعلو منزلته، وأنه كان من أكثر الصحابة فهماً واستنباطاً لأحكام الدين.
- القميص في اللغة والمنامات往往 يرمز إلى الدين أو الملة أو السيرة التي يحيا بها الإنسان، كما قال تعالى عن قميص يوسف: {وَجَاءُوا عَلَىٰ قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ} [يوسف: 18].
أسأل الله تعالى أن يرزقنا الدين الكامل، والفقه فيه، وأن يتقبل منا صالح الأعمال.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

📝 تنبيه هام:

نرحب بتصويباتكم! إذا وجدت أي خطأ في نص الحديث أو السند أو الشرح، فيرجى إبلاغنا عبر صفحة الاتصال:

📧 التواصل للإبلاغ عن خطأ

"مَنْ سَنَّ فِي الإِسْلَامِ سُنَّةً حَسَنَةً فَلَهُ أَجْرُهَا وَأَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا"

تخريج الحديث

رواه البخاريّ في الإيمان (٢٣)، ومسلم في الفضائل (٢٣٩٠) كلاهما عن إبراهيم ابن سعد، عن صالح بن كيسان، عن ابن شهاب، عن أبي أمامة بن سهل، أنه سمع أبا سعيد الخدريّ، فذكره.

العودة إلى الأعلى

أحاديث لها شرح في هذا الكتاب (عرض 50 حديثاً حول الحديث الحالي)

الحديث الحالي في المركز 107 من أصل 1075 حديثاً له شرح

معلومات عن حديث: عمر بن الخطاب وعليه قميص يجرّه

📜 حديث: عمر بن الخطاب وعليه قميص يجرّه

نص الحديث الشريف كاملاً مع ذكر الرواة وسند الحديث المتصل بسلسلة الإسناد الصحيحة حتى النبي محمد صلى الله عليه وسلم.
🔍 صحة حديث: عمر بن الخطاب وعليه قميص يجرّه

تحليل درجة صحة الحديث من حيث السند والمتن وفق معايير علم الحديث، مع بيان حكم العلماء عليه من حيث القبول والرد.
📖 تخريج حديث: عمر بن الخطاب وعليه قميص يجرّه

تخريج الحديث من مصادر السنة النبوية المعتمدة وكتب الصحاح والسنن، مع ذكر أماكن وروده في المصادر الحديثية المختلفة.
📚 شرح حديث: عمر بن الخطاب وعليه قميص يجرّه

شرح وافي للمعاني والمفردات والفوائد المستنبطة من الحديث، مع بيان الأحكام الشرعية والعبر المستفادة لتطبيقها في الحياة العملية.

قراءة القرآن الكريم

سورة البقرة	آل عمران	سورة النساء
سورة المائدة	سورة يوسف	سورة ابراهيم
سورة الحجر	سورة الكهف	سورة مريم
سورة الحج	سورة القصص	العنكبوت
سورة السجدة	سورة يس	سورة الدخان
سورة الفتح	سورة الحجرات	سورة ق
سورة النجم	سورة الرحمن	سورة الواقعة
سورة الحشر	سورة الملك	سورة الحاقة
سورة الانشقاق	سورة الأعلى	سورة الغاشية