حديث: أحرقوني ثم اسحقوني ثم ذروني في يوم عاصف

📚 كتب الحديث | 🔍 صحة حديث | 📖 الأحاديث الصحيحة

باب أنّ رحمة اللَّه أوسع من عذابه

عن أبي سعيد الخدريّ، عن النبيّ ﷺ: أنّ رجلًا كان قبلكم رَغَسه اللَّه مالًا، فقال لبنيه لما حُضر: أيُّ أبٍ كنتُ لكم؟ قالوا: خيرَ أبٍ، قال: فإنِّي لم أعملْ خيرًا قطُّ، فإذا مُتُّ فأحرقوني، ثم اسحقوني، ثم ذرُّوني في يوم عاصف، ففعلوا، فجمعه اللَّه عز وجل فقال: ما حملك؟ قال: مخافتك، فتلقاه برحمته.

متفق عليه: رواه البخاريّ في أحاديث الأنبياء (٣٤٧٨)، ومسلم في التوبة (٢٧٥٧) كلاهما من حديث أبي الوليد، حدثنا أبو عوانة، عن قتادة، عن عقبة بن عبد الغافر، عن أبي سعيد، فذكر الحديث، واللفظ للبخاريّ، ولفظ مسلم نحوه.

عن أبي سعيد الخدريّ، عن النبيّ ﷺ: أنّ رجلًا كان قبلكم رَغَسه اللَّه مالًا، فقال لبنيه لما حُضر: أيُّ أبٍ كنتُ لكم؟ قالوا: خيرَ أبٍ، قال: فإنِّي لم أعملْ خيرًا قطُّ، فإذا مُتُّ فأحرقوني، ثم اسحقوني، ثم ذرُّوني في يوم عاصف، ففعلوا، فجمعه اللَّه ﷿ فقال: ما حملك؟ قال: مخافتك، فتلقاه برحمته.

شرح الحديث:

بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد، فإليك شرح الحديث الشريف شرحًا وافيًا مستندًا إلى كبار شراح الحديث من أهل السنة والجماعة:

نص الحديث:


عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم: "أن رجلاً كان قبلكم رغسه الله مالًا، فقال لبنيه لما حُضِر: أي أب كنت لكم؟ قالوا: خير أب. قال: فإني لم أعمل خيرًا قط، فإذا مت فأحرقوني، ثم اسحقوني، ثم ذروني في يوم عاصف. ففعلوا، فجمعه الله تعالى فقال: ما حملك؟ قال: مخافتك. فتلقاه برحمته."

١. شرح المفردات:


● رَغَسَهُ اللهُ مَالًا: أي أعطاه الله مالاً كثيرًا واسعًا. والرَّغْس بمعنى الكثرة والسعة.
● لَمَّا حُضِرَ: عندما حضرته الوفاة ونزل به الموت.
● اسْحَقُونِي: اطلقوا علي النار حتى أصبحت رمادًا، ثم اطحنوني حتى أتحول إلى ذرات دقيقة. والسحق هو الدق والطحن الشديد.
● ذَرُّونِي: انثروني وابذروا أجزائي في الهواء.
● يَوْمٍ عَاصِفٍ: يوم شديد الريح، حتى تتطاير أجزائي وتبدد في الأرض فلا يعود لها أثر.
● مَا حَمَلَكَ: ما الذي دفعك وحملك على فعل هذا الأمر الشنيع؟ (أي حرق جسدك وتفريقه).
● تَلاَقَّاهُ بِرَحْمَتِهِ: قبله الله وعامله برحمته ومغفرته.

٢. المعنى الإجمالي للحديث:


يخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم عن قصة رجل من الأمم السابقة، أنعم الله عليه بمال وفير. وعندما أحس بدنو أجله، سأل أبناءه عن رأيهم فيه كأب، فأثنوا عليه خيرًا. لكنه كان يرى أن أعماله كلها دنيوية ولم يؤد حق الله فيها خوفًا من حسابه وعقابه. فخاف من عذاب الله يوم القيامة خوفًا شديدًا بلغ به أن أوصى أبناءه أن يحرقوا جثته بعد موته ويسحقوها وينثروها في يوم عاصف حتى لا يبقى لها أثر، ظنًا منه أن هذا سيمكنه من الهرب من عقاب الله وبعثه.
ففعل أبناؤه ما أمرهم به، ولكن الله تعالى الذي يقدر على جمع المتفرق وإعادة الخلق، جمعه وسأله عن سبب فعلته هذه، فأجاب الرجل بأن الذي حمله على ذلك هو "مخافة الله" الشديدة. فقبل الله منه هذه المخافة الصادقة، وتلقاه برحمته وغفر له.

٣. الدروس المستفادة والعبر:


1- عظمة خوف الخائفين من الله: الحديث يظهر أقصى درجات الخوف من الله تعالى، حتى إنه قد يصل بالعبد إلى حال من اليأس الظاهري، ولكن بقلب مليء بالإيمان بالله وخشيته.
2- سعة رحمة الله تعالى: رحمة الله واسعة وتغفر الذنوب جميعًا، وقد قبل الله من هذا الرجل مخافته الصادقة رغم خطأ تصرفه وظنه أن بإمكانه الهرب من قدرة الله.
3- قدرة الله المطلقة: لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء، فهو الذي جمعه بعد أن تفرق وذُرَّ في الريح، وهو على كل شيء قدير. وهذا تأكيد على قدرة الله على بعث الخلائق يوم القيامة مهما بلغ تفرقها.
4- خطورة اليأس من رحمة الله: فعل الرجل نابع من خوف شديد، ولكنه أيضًا يحمل شيئًا من اليأس والقنوط من رحمة الله، وهو أمر خطير نهى الله عنه في قوله: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [الزمر: 53]. فالمطلوب هو الخوف المقترن بالرجاء.
5- الإخلاص هو الأساس: قبل الله منه مخافته لأنه كانت خالصة لوجهه، وليس فيها رياء أو تصنع، فنجاه بها من العذاب.
6- الرد على المكذبين بالبعث: القصة دليل واضح على بطلان ظن من يظن أن الله يعجزه جمع الأجساد بعد تفرقها، فهو الذي جمع هذا الرجل بعد أن أصبح رمادًا تذروه الرياح.

٤. معلومات إضافية مفيدة:


- هذا الحديث رواه الإمام البخاري في صحيحه (رقم 6481) والإمام مسلم في صحيحه (رقم 2756)، فهو حديث صحيح متفق عليه.
- يستدل العلماء بهذا الحديث على أن الله تعالى قد يتجاوز عن بعض الذنوب بسبب خوف العبد منه ومحبته له، حتى لو وقع في خطأ في الاعتقاد أو الفعل، إذا كان ذلك نابعًا من إيمان صادق.
- القصة لا تعني جواز التمثيل بالجثث أو إهانتها، بل ما حدث كان من رجل في أمة سابقة وليس في شريعتنا، وشريعتنا تحرم إهانة الميت وإيذاء جسده.
- الدرس الأهم هو الموازنة بين الخوف والرجاء، فخوف هذا الرجل كان عظيمًا، لكنه نسي جانب الرجاء في رحمة الله الواسعة.
نسأل الله تعالى أن يرزقنا خوفه في السر والعلانية، وأن يعاملنا برحمته ولا يكِلنا إلى أنفسنا طرفة عين.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
📝 تنبيه هام:
نرحب بتصويباتكم! إذا وجدت أي خطأ في نص الحديث أو السند أو الشرح، فيرجى إبلاغنا عبر صفحة الاتصال:
"مَنْ سَنَّ فِي الإِسْلَامِ سُنَّةً حَسَنَةً فَلَهُ أَجْرُهَا وَأَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا"

تخريج الحديث

رواه البخاريّ في أحاديث الأنبياء (٣٤٧٨)، ومسلم في التوبة (٢٧٥٧) كلاهما من حديث أبي الوليد، حدثنا أبو عوانة، عن قتادة، عن عقبة بن عبد الغافر، عن أبي سعيد، فذكر الحديث، واللفظ للبخاريّ، ولفظ مسلم نحوه.
وقوله: «رَغَسه» أعطاه وبارك له فيه من الرغس وهو البركة والنّماء والخير.
وقوله: «اسحقوني» من السّحق وهو أشدّ الدّق.

أحاديث لها شرح في هذا الكتاب (عرض 50 حديثاً حول الحديث الحالي)

الحديث الحالي في المركز 129 من أصل 1075 حديثاً له شرح

معلومات عن حديث: أحرقوني ثم اسحقوني ثم ذروني في يوم عاصف

  • 📜 حديث: أحرقوني ثم اسحقوني ثم ذروني في يوم عاصف

    نص الحديث الشريف كاملاً مع ذكر الرواة وسند الحديث المتصل بسلسلة الإسناد الصحيحة حتى النبي محمد صلى الله عليه وسلم.

  • 🔍 صحة حديث: أحرقوني ثم اسحقوني ثم ذروني في يوم عاصف

    تحليل درجة صحة الحديث من حيث السند والمتن وفق معايير علم الحديث، مع بيان حكم العلماء عليه من حيث القبول والرد.

  • 📖 تخريج حديث: أحرقوني ثم اسحقوني ثم ذروني في يوم عاصف

    تخريج الحديث من مصادر السنة النبوية المعتمدة وكتب الصحاح والسنن، مع ذكر أماكن وروده في المصادر الحديثية المختلفة.

  • 📚 شرح حديث: أحرقوني ثم اسحقوني ثم ذروني في يوم عاصف

    شرح وافي للمعاني والمفردات والفوائد المستنبطة من الحديث، مع بيان الأحكام الشرعية والعبر المستفادة لتطبيقها في الحياة العملية.


قراءة القرآن الكريم


سورة البقرة آل عمران سورة النساء
سورة المائدة سورة يوسف سورة ابراهيم
سورة الحجر سورة الكهف سورة مريم
سورة الحج سورة القصص العنكبوت
سورة السجدة سورة يس سورة الدخان
سورة الفتح سورة الحجرات سورة ق
سورة النجم سورة الرحمن سورة الواقعة
سورة الحشر سورة الملك سورة الحاقة
سورة الانشقاق سورة الأعلى سورة الغاشية

الباحث القرآني | البحث في القرآن الكريم


Wednesday, November 19, 2025

لا تنسنا من دعوة صالحة بظهر الغيب