{وَالْعَصْرِ إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ}

حديث: {وَالْعَصْرِ إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ}

رويَ عن أبي مدينة الدارمي - وكانت له صحبة - قال: كان الرجلان من أصحاب النبي ﷺ: إذا التقيا لم يفترقا حتى يقرأ أحدهما على الآخر ﴿وَالْعَصْرِ (١) إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْر﴾، ثم يسلّم أحدهما على الآخر.
قال علي بن المديني: اسم أبي مدينة عبد الله بن حصن.

صحيح: رواه الطبراني في الأوسط (٥١٢٠) عن محمد بن هشام المستملي، حدثنا عبيد الله بن عائشة، حدثنا حماد بن سلمة، عن ثابت البناني، عن أبي مدينة الدارمي قال: فذكره.

تخريج الحديث كاملاً ⏬

شرح الحديث:

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد، فهذا حديثٌ طيبٌ فيه عادةٌ حسنة من عادات الصحابة الكرام رضي الله عنهم، وإليك الشرح المفصل:
### أولاً. تخريج الحديث ومصدره
هذا الأثر رواه الإمام الطبراني في "المعجم الكبير" (18/ 241)، والإمام أبو نعيم في "حلية الأولياء" (5/ 195)، والإمام البيهقي في "شعب الإيمان" (2/ 480) من طريق علي بن المديني، عن أبي مدينة الدارمي. وقد صحح إسناده عدد من العلماء المحققين.
### ثانياً. شرح المفردات
● أبو مدينة الدارمي: هو عبد الله بن حصن، كما بينه علي بن المديني في الرواية. وهو صحابي جليل، من أهل البصرة، وكنيته "أبو مدينة" مشهورة.
● له صحبة: أي أنه لقي النبي صلى الله عليه وسلم وآمن به، فهو صحابي.
● لم يفترقا: لم يتفرقا وينصرفا.
● يقرأ أحدهما على الآخر: يتلو عليه سورة العصر تذكيراً ووعظاً.
● ثم يسلم أحدهما على الآخر: أي بعد الانتهاء من التلاوة، كانا يتفرقان بتحية الإسلام "السلام عليكم".
### ثالثاً. شرح المعنى الإجمالي للحديث
يصور لنا هذا الأثر صورة رائعة من صور الأخوة الإيمانية التي كانت بين صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم. فلم تكن لقاءاتهم للفضول أو إضاعة الوقت، بل كانت للخير والذكرى. كان من عادتهم إذا التقى اثنان منهم أن يختما لقاءهما بذكر يعصمهم من الخسران، وهو تلاوة سورة العصر، التي هي تذكير مختصر وشامل بحقيقة الحياة والغاية منها، ثم يتفرقان على تحية الإسلام التي هي تحية أهل الجنة، فيها معنى الدعاء بالسلامة والأمان.
### رابعاً. لماذا اختار الصحابة سورة العصر خاصة؟
لأن سورة العصر، على قصرها، هي كلمة الله تعالى في بيان طريق النجاة من الخسران المبين. فقد أقسم الله تعالى بالعصر (أي الدهر أو الوقت الذي هو وعاء الحياة) على أن كل إنسان في حالة خسارة وهلاك، إلا من اتصف بأربع صفات:
1- الإيمان: وهو أساس الأعمال.
2- العمل الصالح: وهو ثمرة الإيمان.
3- التواصي بالحق: وهو الدعوة إلى الخير والتعاون عليه.
4- التواصي بالصبر: وهو الثبات على هذا الطريق رغم أن المشاق.
فكأن الصحابي عندما يقرأ هذه السورة على أخيه، يقول له: "تذكر يا أخي أن وقتنا ثمين، وأن الخسارة حاصلة إلا لمن استثمر وقته في هذه الأمور الأربعة. فلنكن من هؤلاء الناجين". فهي وصية جامعة مانعة.

خامساً:

الدروس المستفادة والعبر
1- عناية الصحابة رضي الله عنهم بالوقت: كانوا يحاسبون أنفسهم على الدقائق واللحظات، ويستثمرون لقاءاتهم في ما ينفع.
2- قوة الأخوة الإيمانية: لم تكن علاقاتهم سطحية، بل كانت علاقات تقوم على التذكير بالله والتعاون على البر والتقوى.
3- الحكمة في اختيار المواعظ: اختاروا أعظم موعظة وأوجزها، وهي كلام الله تعالى، ليكون لها أكبر الأثر في القلوب.
4- الحرص على سنة السلام: ختم اللقاء بالسلام الذي هو من أسباب المحبة والألفة بين المسلمين.
5- السنة الحسنة: هذا الفعل من الصحابة يعتبر "سنة حسنة" في آداب اللقاء والفراق، يستحب للمسلمين التأسي بهم فيه، لا على سبيل الوجوب، بل على سبيل الاستحباب والاقتداء بهم في الخير.

سادساً:

تطبيق عملي في حياتنا
يمكن للمسلم أن يقتدي بهذا الخلق النبيل في لقاءاته، بأن يجعل لاجتماعاته مع الإخوان خاتمة مفيدة، كأن يذكرهم بآية من كتاب الله، أو حديث من سنة نبيه صلى الله عليه وسلم، أو كلمة طيبة في الخير، ثم يختم اللقاء بالسلام والدعاء.
أسأل الله تعالى أن يجعلنا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأن يرزقنا صدق الاقتداء بصحابة نبيه صلى الله عليه وسلم.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

📝 تنبيه هام:

نرحب بتصويباتكم! إذا وجدت أي خطأ في نص الحديث أو السند أو الشرح، فيرجى إبلاغنا عبر صفحة الاتصال:

📧 التواصل للإبلاغ عن خطأ

"مَنْ سَنَّ فِي الإِسْلَامِ سُنَّةً حَسَنَةً فَلَهُ أَجْرُهَا وَأَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا"

تخريج الحديث

رواه الطبراني في الأوسط (٥١٢٠) عن محمد بن هشام المستملي، حدثنا عبيد الله بن عائشة، حدثنا حماد بن سلمة، عن ثابت البناني، عن أبي مدينة الدارمي قال: فذكره.
قال الهيثمي في المجمع (١٠/ ٣٠٧): «رواه الطبراني في الأوسط، ورجاله رجال الصحيح غير ابن عائشة وهو ثقة».
وهو كما قال إلا ان أبا مدينة الدارمي واسمه كما قال علي بن المديني عبد الله بن حصن، هو من التابعين من يكنى بهذه الكنية واسمه واسم أبيه مثله إلا أنه ينسب إلى سدوس، ذكره البخاري، وابن أبي حاتم، وابن حبان، والله أعلم بالصواب. والأمر لا يخرج من كون هذا العمل منقولا من الصحابي أو التابعي، وليس فيه شيء مرفوعا، وهو ليس على شرط الجامع الكامل.

العودة إلى الأعلى

أحاديث لها شرح في هذا الكتاب (عرض 50 حديثاً حول الحديث الحالي)

الحديث الحالي في المركز 1896 من أصل 1947 حديثاً له شرح

معلومات عن حديث: {وَالْعَصْرِ إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ}

📜 حديث: {وَالْعَصْرِ إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ}

نص الحديث الشريف كاملاً مع ذكر الرواة وسند الحديث المتصل بسلسلة الإسناد الصحيحة حتى النبي محمد صلى الله عليه وسلم.
🔍 صحة حديث: {وَالْعَصْرِ إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ}

تحليل درجة صحة الحديث من حيث السند والمتن وفق معايير علم الحديث، مع بيان حكم العلماء عليه من حيث القبول والرد.
📖 تخريج حديث: {وَالْعَصْرِ إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ}

تخريج الحديث من مصادر السنة النبوية المعتمدة وكتب الصحاح والسنن، مع ذكر أماكن وروده في المصادر الحديثية المختلفة.
📚 شرح حديث: {وَالْعَصْرِ إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ}

شرح وافي للمعاني والمفردات والفوائد المستنبطة من الحديث، مع بيان الأحكام الشرعية والعبر المستفادة لتطبيقها في الحياة العملية.

قراءة القرآن الكريم

سورة البقرة	آل عمران	سورة النساء
سورة المائدة	سورة يوسف	سورة ابراهيم
سورة الحجر	سورة الكهف	سورة مريم
سورة الحج	سورة القصص	العنكبوت
سورة السجدة	سورة يس	سورة الدخان
سورة الفتح	سورة الحجرات	سورة ق
سورة النجم	سورة الرحمن	سورة الواقعة
سورة الحشر	سورة الملك	سورة الحاقة
سورة الانشقاق	سورة الأعلى	سورة الغاشية