حديث: أحبب حبيبك هونا ما عسى أن يكون بغيضك يوما ما

📚 كتب الحديث | 🔍 صحة حديث | 📖 الأحاديث الصحيحة

باب ما رُوي في الاقتصاد في الحب والبغض

رُويَ عن أبي هريرة مرفوعًا قال: «أحببْ حبيبَك هونًا ما، عسى أن يكون بغيضك يومًا ما، وأبغضْ بغيضك هونا ما، عسى أن يكون حبيبَك يومًا ما».

صحيح: رواه الترمذيّ (١٩٩٧) عن أبي كريب، قال: حَدَّثَنَا سويد بن عمرو الكلبي، عن حمّاد بن سلمة، عن أيوب، عن محمد بن سيرين، عن أبي هريرة، أراه رفعه، قال: فذكر الحديث.

رُويَ عن أبي هريرة مرفوعًا قال: «أحببْ حبيبَك هونًا ما، عسى أن يكون بغيضك يومًا ما، وأبغضْ بغيضك هونا ما، عسى أن يكون حبيبَك يومًا ما».

شرح الحديث:

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته،
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد،
فحديث: «أَحِبَّ حَبِيبَكَ هَوْنًا مَا، عَسَى أَنْ يَكُونَ بَغِيضَكَ يَوْمًا مَا، وَأَبْغِضْ بَغِيضَكَ هَوْنًا مَا، عَسَى أَنْ يَكُونَ حَبِيبَكَ يَوْمًا مَا» حديثٌ حسنٌ، رواه الترمذي في سننه، وقال: "هذا حديث حسن غريب"، وهو حسن في صحيح الجامع.

أولاً. شرح المفردات:


* هونًا ما: أي بقدرٍ قليلٍ، أو بتوسطٍ واعتدالٍ وعدم إفراط. وكلمة "ما" هنا للتقليل والتخفيف.
* عسى: أداة تفيد الرجاء والترجي، وغالبًا ما تأتي في القرآن والحديث للتحقيق والوقوع.
* حبيبك: من تحبه وتؤثره.
* بغيضك: من تكرهه أو تبغضه.

ثانيًا. شرح الحديث:


يوجهنا النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث إلى حكمة عظيمة في التعامل مع الناس وإدارة المشاعر، وهي عدم الإفراط في الحب أو الكره.
1- «أحبب حبيبك هونًا ما»: لا تضع كل حبك وثقتك وولاءك في شخص واحد إلى أقصى حد، بحيث تتعلق به تعلقًا كليًا. بل أحبه بحب معتدل، يحفظ للقلب مكانًا لغيره، ويحفظ لك كرامتك إذا ما تغيرت الظروف.
2- «عسى أن يكون بغيضك يومًا ما»: لأن الدنيا متقلبة، والنفوس غير ثابتة، والمواقف تتغير. فمن كان اليوم صديقًا حميمًا، قد يصبح غدًا – لسبب ما – شخصًا تبغضه أو يُبغضك. لو بالغت في حبه، فإن أذى فراقه أو خيانته سيكون كبيرًا جدًا على قلبك.
3- «وأبغض بغيضك هونًا ما»: حتى من تكرهه أو بينك وبينه عداوة، لا تبالغ في كرهك له إلى درجة الحقد والقطيعة الأبدية والتمني له بالشر. بل اكره فعله السيء أو ظلمه لك، ولكن ابقَ في قلبك مساحة للأمل في أن يهديه الله أو يتغير.
4- «عسى أن يكون حبيبك يومًا ما»: فقد يحدث أن يتوب ذلك الشخص، أو يصلح أمره، أو يقدم لك معروفًا يمحو ما سبق، فيصبح من أحب الناس إليك. فلو بالغت في كرهه وأغلقت كل الأبواب، لن تستطيع تقبل صلحه أو مصادقته مرة أخرى.

ثالثًا. الدروس المستفادة والعبر:


1- الاعتدال والتوازن في المشاعر: الإسلام دين الوسطية والاعتدال، حتى في المشاعر الإنسانية كالحب والكره. فلا إفراط ولا تفريط.
2- الحكمة والتعقل في العلاقات: الحديث دعوة إلى إدارة العلاقات بالعقل والحكمة، لا بالعاطفة الجياشة أو الانفعالات الآنية فقط.
3- عدم اليقين من مستقبل العلاقات: من حكمته صلى الله عليه وسلم أنه علمنا أن الحياة متغيرة، فليس من الحكمة أن نتعامل مع الناس على أن الأمور ستظل على حالها دائمًا.
4- ترك باب الأمل مفتوحًا: حتى مع وجود الخصومة، يوصينا النبي ألا نقطع الأمل في صلاح الآخرين وتغيرهم إلى الأفضل. وهذا من شيم الكرام وذوي المروءة.
5- حفظ القلب من الآفات: الإفراط في الحب يؤدي إلى التبعية العمياء والغفلة، والإفراط في الكره يؤدي إلى الحقد والغل والأذى. الاعتدال يحفظ القلب من هذه الآفات جميعًا.
6- التأدب بآداب الإسلام: فالمسلم مأمور بحسن الخلق مع الجميع، حتى مع من يُبغض، فلا يُظهر له القبح من القول أو الفعل، لقوله تعالى: {ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ} [فصلت: 34].

رابعًا. معلومات إضافية:


* هذا الحديث يمثل قاعدة ذهبية في علم الاجتماع والإدارة والعلاقات الإنسانية، يدركها العقلاء حتى من غير المسلمين.
* ينبغي التفريق بين هذا النهي عن الإفراط في الحب والكره، وبين حب الله ورسوله والجهاد في سبيل الله، فهذه مكانها القلب كله ولا مساومة فيها. فالحديث يتناول العلاقات الدنيوية البشرية المتغيرة.
* من تطبيقات هذا الحديث: عدم الثقة المطلقة بأحد في الأمور الدنيوية، وعدم اليأس من إصلاح شخص ظالم أو فاسد، والحذر من التعلق الشديد بالدنيا وزينتها.
أسأل الله أن يرزقنا الحكمة والاعتدال في كل أمورنا، وأن يهدينا لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا هو.
وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم.
📝 تنبيه هام:
نرحب بتصويباتكم! إذا وجدت أي خطأ في نص الحديث أو السند أو الشرح، فيرجى إبلاغنا عبر صفحة الاتصال:
"مَنْ سَنَّ فِي الإِسْلَامِ سُنَّةً حَسَنَةً فَلَهُ أَجْرُهَا وَأَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا"

تخريج الحديث

رواه الترمذيّ (١٩٩٧) عن أبي كريب، قال: حَدَّثَنَا سويد بن عمرو الكلبي، عن حمّاد بن سلمة، عن أيوب، عن محمد بن سيرين، عن أبي هريرة، أراه رفعه، قال: فذكر الحديث.
قال الترمذيّ: «هذا حديث غريب، لا نعرفه بهذا الإسناد إِلَّا من هذا الوجه، وقد روي هذا الحديث عن أيوب، بإسناد غير هذا رواه الحسن بن أبي جعفر وهو حديث ضعيف أيضًا، بإسناد له
عن علي، عن النَّبِيّ ﷺ، والصحيح عن عليّ موقوف قوله».
يظهر من كلام الترمذيّ أن الإسناد الأوّل الذي ساقه عن أبي كريب ضعيف أيضًا مع الإسناد الثاني وهو الحسن أبي جعفر، ومن طريقه رواه الطبريّ في تهذيب الآثار في مسند عليّ (ص ١٨٣، ١٨٤) عن أيوب، عن حميد بن عبد الرحمن، عن عليّ قال: قال رسول الله ﷺ، فذكر الحديث.
والحسن بن أبي جعفر ضعيف، وقد خالف الثّقات وهو حمّاد بن سلمة الذي رواه عن أيوب، عن ابن سيرين، عن أبي هريرة. وهذا الإسناد الذي ساقه الترمذيّ فيه سويد بن عمرو الكلبي وهو مختلف فيه مع كونه من رجال مسلم، فوثّقه ابن معين والنسائي، وقال العجلي: «كوفي ثقة ثبت في الحديث، وكان رجلًا صالحًا متعبدا» ولكن تكلم فيه ابن حبَّان في المجروحين (رقم ٤٤٩) فأفحش القول فيه قال: «كان يقلب الأسانيد، ويضمع على الأسانيد الصحاح المتون الواهية، لا يجوز الاحتجاج به بحال، ثمّ روى الحديث عن حمّاد بن سلمة بإسناده وقال: وهذا الحديث ليس من حديث أبي هريرة، ولا من حديث حمّاد بن سلمة، إنّما هذا قول عليّ بن أبي طالب، وقد رفعه عن عليّ الحسنُ بن أبي جعفر الجعفري، عن أيوب، عن حميد بن عبد الرحمن، عن علي، وهو خطأ فاحش» انتهى.
ثمّ أعاد تخريج هذا الحديث في ترجمة عبد السّلام بن صالح بن سليمان بن ميسرة أبو الصلت الهروي وقال عنه: «يُروي عن حمّاد بن زيد وأهل الكوفة العجائب في فضائل عليّ وأهل بيته لا يجوز الاحتجاج به إذا انفرد، وأخرج عنه عن عباد بن العوام، عن جُميل بن مرة، عن ابن عمر قال: قال رسول الله ﷺ، فذكر الحديث مثله. انتهى.
ورُويَ أيضًا عن عليّ كما قال الترمذيّ - موقوفًا عليه - أنه قال: لابن الكوّاء: هل تدري ما قال الأوّلون؟ أحبب حبيبك هونا ما، عسى أن يكون بغيضك يومًا ما، وأبغض بغيضك هونا ما، عسى أن يكون حبيبك يومًا ما.
رواه البخاريّ في الأدب المفرد (١٣٢١) عن عبد الله، قال: حَدَّثَنَا مروان بن معاوية قال: حَدَّثَنَا محمد بن عبيد الكندي، عن أبيه قال: سمعت عليا يقول لابن الكواء، فذكره.
وإسناده حسن من أجل محمد بن عبيد الكندي وأبيه.
وتكلم أهل العلم على هذا الحديث فذهب جمهورهم إلى أن الصَّحيح أنه من قول علي، منهم: الترمذيّ كما سبق، والبغوي في شرح السنة، والدارقطني، والبيهقي في الشعب (٦١٦٨، ٦١٧٠) وغيرهم.

أحاديث لها شرح في هذا الكتاب (عرض 50 حديثاً حول الحديث الحالي)

الحديث الحالي في المركز 148 من أصل 1112 حديثاً له شرح

معلومات عن حديث: أحبب حبيبك هونا ما عسى أن يكون بغيضك يوما ما

  • 📜 حديث: أحبب حبيبك هونا ما عسى أن يكون بغيضك يوما ما

    نص الحديث الشريف كاملاً مع ذكر الرواة وسند الحديث المتصل بسلسلة الإسناد الصحيحة حتى النبي محمد صلى الله عليه وسلم.

  • 🔍 صحة حديث: أحبب حبيبك هونا ما عسى أن يكون بغيضك يوما ما

    تحليل درجة صحة الحديث من حيث السند والمتن وفق معايير علم الحديث، مع بيان حكم العلماء عليه من حيث القبول والرد.

  • 📖 تخريج حديث: أحبب حبيبك هونا ما عسى أن يكون بغيضك يوما ما

    تخريج الحديث من مصادر السنة النبوية المعتمدة وكتب الصحاح والسنن، مع ذكر أماكن وروده في المصادر الحديثية المختلفة.

  • 📚 شرح حديث: أحبب حبيبك هونا ما عسى أن يكون بغيضك يوما ما

    شرح وافي للمعاني والمفردات والفوائد المستنبطة من الحديث، مع بيان الأحكام الشرعية والعبر المستفادة لتطبيقها في الحياة العملية.


قراءة القرآن الكريم


سورة البقرة آل عمران سورة النساء
سورة المائدة سورة يوسف سورة ابراهيم
سورة الحجر سورة الكهف سورة مريم
سورة الحج سورة القصص العنكبوت
سورة السجدة سورة يس سورة الدخان
سورة الفتح سورة الحجرات سورة ق
سورة النجم سورة الرحمن سورة الواقعة
سورة الحشر سورة الملك سورة الحاقة
سورة الانشقاق سورة الأعلى سورة الغاشية

الباحث القرآني | البحث في القرآن الكريم


Wednesday, November 19, 2025

لا تنسنا من دعوة صالحة بظهر الغيب