كيف أنتم إذا مرج الدين وظهرت الرغبة واختلفت الإخوان

شرح الحديث:

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فحديث السيدة ميمونة رضي الله عنها هذا من الأحاديث التي تنبئ عن فتن آخر الزمان، وتحذر من علامات الاختلال في المجتمع المسلم. وإليك الشرح الوافي لهذا الحديث وفق الكتب المعتمدة عند أهل السنة والجماعة:
### أولاً. نص الحديث وفهمه العام
روى الإمام الطبراني في "المعجم الكبير" وغيره عن ميمونة مولاة النبي ﷺ قالت: قال رسول اللَّه ﷺ ذات يوم:
«كيف أنتم إذا مرج الدين، وظهرت الرغبة، واختلفت الإخوان، وحرق البيت العتيق».
وفي رواية أخرى زاد: «وسُفك الدم، وظهرت الزينة، وشرف البنيان».
هذا الحديث يستفهم فيه النبي ﷺ عن حال أمته عندما تقع هذه الفتن، وهو استفهام تعجيب وتحذير، أي: كيف يكون حالكم وكيف تصبرون عندما تحدث هذه الأمور؟

### ثانياً. شرح المفردات
1- مَرَجَ الدِّينُ:
- "مَرَجَ" يعني اختلط واضطرب وذهب أهله كل اتجاه.
- أي: يضطرب أمر الدين، فيختلط الحق بالباطل، ويصعب تمييز الصادق من الكاذب، ويقل العلم الشرعي، وتظهر البدع.
2- ظَهَرَتِ الرَّغْبَةُ:
- "الرغبة" هنا تعني حب الدنيا والتهافت عليها، والانشغال بها عن الآخرة.
- أي: يظهر التكالب على الدنيا، ويصير هم الناس جمع المال والتنافس في المباهج الزائلة.
3- اخْتَلَفَتِ الإخْوَانُ:
- يعني: يختلف الإخوة في الدين، والأصدقاء، وأهل المودة، فيتفرقوا ويتعادوا.
- وهو إشارة إلى ذهاب الألفة والمحبة، وانتشار العداوة والبغضاء بين الناس.
4- حُرِّقَ البَيْتُ العَتِيقُ:
- "البيت العتيق" هو الكعبة المشرفة.
- أي: يحصل حرق للكعبة، وهذا من أشراط الساعة الكبرى كما ورد في أحاديث أخرى.
5- سُفِكَ الدَّمُ: (في الرواية الثانية)
- يعني: يُسفك الدم الحرام بغير حق، ويكثر القتل والفتن.
6- ظَهَرَتِ الزِّينَةُ:
- أي: تظهر الزينة في اللباس والمراكب والمباهج، ويتفاخر الناس بها.
- وهو دليل على الانشغال بالزينة الظاهرة والتفاخر الدنيوي.
7- شُرِّفَ البُنْيَانُ:
- أي: يُعظم البناء، ويتفاخر الناس في ارتفاعه وتزويقه، ويتباهون بالعمارة والديكور.
- وهو إشارة إلى الترف والإسراف في البنيان.

### ثالثاً. شرح الحديث
هذا الحديث يصور حالاً من أحوال آخر الزمان، حيث تضعف religiosité، وتكثر الفتن، وتختل الموازين، وتنقلب المفاهيم. وفيه تحذير من الانغماس في الدنيا وإهمال الدين، مما يؤدي إلى عواقب وخيمة.
● مرج الدين: إشارة إلى ضعف العلم الشرعي وانتشار الجهل، واختلاط الأمور على الناس حتى لا يميزوا بين السنة والبدعة، والحلال والحرام.
● ظهرت الرغبة: أي يصير هم الناس الدنيا، فيتنافسون عليها، ويتركون العمل للآخرة.
● اختلفت الإخوان: يعني تفرق القلوب، وذهاب المودة، وانتشار العداوة حتى بين الأقرباء والأصدقاء.
● حرق البيت العتيق: من العلامات الكبرى ليوم القيامة، حيث يُحرق الكعبة، وهذا دليل على عظم الفتنة وقرب الساعة.
● سفك الدم: أي يكثر القتل بغير حق، حتى يصير الدم رخيصاً.
● ظهرت الزينة وشرف البنيان: دليل على الترف والانشغال بالزخارف الدنيوية، والتباهي بالمظاهر المادية.

### رابعاً. الدروس المستفادة
1- التحذير من التكالب على الدنيا: فإن حب الدنيا رأس كل خطيئة، ويؤدي إلى إهمال الدين.
2- الحث على التمسك بالدين: في زمن اختلاط الأمور، يجب التمسك بالكتاب والسنة وفهم الدين فهمًا صحيحًا.
3- الحذر من الفتن والاختلاف: يجب السعي في جمع الكلمة وإصلاح ذات البين، وعدم الانجرار وراء الخلافات.
4- التذكير بالآخرة: فإن هذه الدنيا زائلة، والآخرة هي دار القرار.
5- الاستعداد ليوم القيامة: فإن هذه العلامات تدل على قرب الساعة، فيجب الاستعداد بالعمل الصالح.

---

خامساً:

معلومات إضافية
- هذا الحديث رواه الطبراني في "المعجم الكبير"، وحسنه بعض أهل العلم، وهو من أحاديث الفتن وأشراط الساعة.
- ينبغي للمسلم أن يتعوذ بالله من الفتن ما ظهر منها وما بطن، ويلجأ إلى الله تعالى في زمن الاضطراب.
- من العلاج النبوي للفتن: الاعتصام بالكتاب والسنة، ولزوم الجماعة، والصبر على الأذى.
أسأل الله تعالى أن يحفظنا من الفتن ما ظهر منها وما بطن، وأن يثبتنا على الدين حتى نلقاه.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.