الدجال أعور ومعه مثل الجنة والنار.

شرح الحديث:

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
حياكم الله و بياكم، ونسأل الله أن يوفقنا وإياكم للعلم النافع والعمل الصالح، ولفهم كتابه وسنة نبيه ،وأن يعلمنا ما ينفعنا وينفعنا بما علمنا، وأن يزيدنا علماً وفقهاً وتوفيقاً وأجراً إنه هو الكريم الوهاب.
هذا الحديث العظيم الذي رواه الإمام البخاري في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه، يحمل تحذيراً شديداً من فتنة الدجال، وهي من أعظم الفتن على وجه الأرض.

---

أولاً. شرح المفردات:

● الدجال: هو رجل يخرج في آخر الزمان، يدعي الألوهية، وهو أعظم فتنة على وجه الأرض بسبب ما يُعطيه الله من الخوارق.
● أعور: ذو عين واحدة (العين اليسرى) وهي عينٌ ضخمةٌ بارزة، مكتوب بين عينيه "ك ف ر" يقرؤها كل مؤمن.
● مثل الجنة والنار: يعني أنه سيأتي بشيئين، أحدهما يشبه الجنة والآخر يشبه النار في الظاهر.

---

ثانياً. شرح الحديث:

يخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث بأمر عظيم، وهو أنه سيخبرنا عن الدجال بصفة لم يخبر بها نبيٌ قومه من قبل، مما يدل على عظم خطر هذه الفتنة وأهمية التحذير منها.
1- «ألا أخبركم عن الدجال حديثا ما حدثه نبيٌّ قومه؟»: هذا استفتاحٌ يلفت الانتباه ويشير إلى أن ما سيذكره من أوصاف الدجال لم يسبق أن بلغه نبيٌ لأمته بهذا الوضوح، مما يدل على خصوصية هذه الأمة وشمولية تحذير النبي صلى الله عليه وسلم لها.
2- «إنه أعور»: هذه من أبرز علاماته التي تميزه، فالله تعالى ليس بأعور، وهذه الصفة تنفي عنه ادعاء الألوهية. وقد ورد في الأحاديث الأخرى أن عينه اليمنى ممسوحة، وعينه اليسرى بارزة وكأنها عنبة طافية.
3- «وإنه يجيء معه مثل الجنة والنار»: سيكون مع الدجال من الخوارق ما يظهر به للناس أمراً عظيماً، فسيكون معه جنة ونار، ولكنها في الحقيقة ليست الجنة والنار الحقيقيتين، بل هما من فتنته.
4- «فالتي يقول: إنها الجنة، هي النار»: هنا جوهر التحذير. سيدعي الدجال أن ما معه من "جنة" هي الجنة الحقيقية، و "ناره" هي النار الحقيقية، ولكن الحقيقة ستكون على عكس ذلك تماماً. فما يظهره للناس على أنه جنة (أي شيء مُعَجِّب ومُتْعٍ) هو في الحقيقة نارٌ تحرق من يدخلها، وما يظهره على أنه نارٌ مخيفةٌ هو في الحقيقة جنةٌ باردةٌ آمنة. وهذا اختبارٌ عظيمٌ من الله تعالى، يُميز به بين المؤمن الصادق الذي يتبع الحق، والضعيف الإيمان الذي ينخدع بالظاهر.
5- «وإني أنذرتكم به كما أنذر به نوح قومه»: يؤكد النبي صلى الله عليه وسلم على أنه بلغ التحذير من فتنة الدجال أعلى درجة من البلاغ، حتى إنه شبه تحذيره لأمته بتحذير نبي الله نوح -وهو أول رسول- لقومه من الشرك والضلال. وهذا يدل على عظم خطر الدجال وجسامة فتنته.

---

ثالثاً. الدروس المستفادة والعبر:

1- عظم فتنة الدجال: الحديث يبين أن فتنة الدجال من أعظم الفتن، لذا حذر منه جميع الأنبياء، وكان تحذير نبينا محمد صلى الله عليه وسلم أشد وأوضح.
2- التمسك بالتوحيد: الفتنة أساسها الكفر والضلال، فالنجاة منها تكون بالتمسك بتوحيد الله تعالى والإيمان به، وعدم الانخداع بالخوارق والحسيات التي تخالف الشرع.
3- عدم الاغترار بالظاهر: الدجال يفتن الناس بالمظاهر الخادعة، فتعلمنا هذه القصة أن لا نحكم على الأشياء بمظهرها فقط، بل نعرضها على نصوص الوحي (الكتاب والسنة) لنعرف حقيقتها.
4- فضل هذه الأمة وشمولية رسالتها: حيث أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أمته عن الدجال بأمر لم يخبر به نبيٌ من قبله، مما يدل على كمال رسالته وشمولها.
5- وجوب الاستعاذة من فتنة الدجال: من أهم أسباب النجاة من فتنة الدجال، كثرة الدعاء والاستعاذة منه، خاصة في الصلاة بعد التشهد الأخير، كما ورد في الحديث: «إِذَا تَشَهَّدَ أَحَدُكُمْ فَلْيَسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنْ أَرْبَعٍ: مِنْ عَذَابِ جَهَنَّمَ، وَمِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ، وَمِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ، وَمِنْ شَرِّ فِتْنَةِ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ».

---

رابعاً. معلومات إضافية:

- الدجال ليس مجرد كذاب عادي، بل هو "كذاب" مشهور بأعظم الكذب، وهو ادعاء الألوهية.
- نزول عيسى ابن مريم عليه السلام في آخر الزمان هو الذي سيقتل الدجال، ويحطم فتنته.
- المؤمن القارئ لسورة الكهن، وخاصة الآيات العشر الأولى أو الأخيرة، يكون محفوظاً بحول الله من فتنة الدجال.
نسأل الله العظيم أن يعيذنا وإياكم من فتنة الدجال، ومن كل فتنة ضالة، وأن يثبتنا على دينه حتى نلقاه.
والله أعلم.