أخرج بعث جهنم من ذريتك

شرح الحديث:

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
حياكم الله و بياكم، وأسأل الله أن يوفقنا وإياكم للعلم النافع والعمل الصالح، ولفهم كتابه وسنة نبيه ،وأن يعلمنا ما ينفعنا وينفعنا بما علمنا، وأن يزيدنا علماً وفقهاً وتوفيقاً وأجراً إنه هو الكريم الوهاب.
هذا الحديث العظيم الذي رواه أبو هريرة رضي الله عنه، وأخرجه الإمام أحمد في مسنده، والإمام ابن حبان في صحيحه، وغيرهما، يحمل معاني جليلة وعبراً عظيمة، سأشرحه لك جزءاً جزءاً مستعيناً بالله، ومستنداً إلى شرح أهل العلم المعتبرين.

---

أولاً. شرح مفردات الحديث:

● تراءى ذريته: أي تُعرض وتظهر ذريته (أبناؤه من البشر جميعاً) له.
● لبيك وسعديك: كلمة إجابة وتلبية لدعاء الله، ومعناها: إجابة لك بعد إجابة، وخيراً بعد خير، وهي تدل على الخضوع والاستعداد التام للامتثال.
● بعث جهنم: أي الجماعة أو العدد المخصص لدخول النار.
● كالشعرة البيضاء في الثور الأسود: مثلٌ ضربه النبي ﷺ لقلّة عدد أمته في الآخرة مقارنة بغيرها من الأمم، فالشعرة البيضاء نادرة وقليلة في جلد الثور الأسود.

---

ثانياً. شرح الحديث:

يخبرنا النبي ﷺ في هذا الحديث عن مشهد من مشاهد يوم القيامة المهولة، حيث يكون أول من يُدعى للحساب هو أبو البشرية آدم عليه السلام. تُعرض عليه ذريته من البشر جميعاً، فيُقال لهم: هذا أبوكم آدم. فيرد آدم عليه السلام على ربه قائلاً: "لبيك وسعديك" استعداداً لأمر الله.
ثم يأمر الله تعالى آدم أن يُخرج بعث النار من ذريته، فيستفهم آدم عليه السلام عن العدد المطلوب، فيجيبه الله أنه من كل مائة شخص، تسعة وتسعون سيدخلون النار، وواحد فقط سيدخل الجنة.
فاستعظم الصحابة رضي الله عنهم هذا العدد الهائل، وسألوا النبي ﷺ: إذا أُخذ منا من كل مائة تسعة وتسعون، فماذا يبقى منا؟ (أي كيف سيُنجى أحد منا؟).
فأجابهم النبي ﷺ بأن هذه النسبة (99%) ليست خاصة بأمته، بل هي من مجموع البشرية كلها منذ آدم إلى قيام الساعة. ثم ضرب لهم مثلاً يوضح به مكانة أمته بين تلك الأمم كلها، فقال: «إن أمتي في الأمم كالشعرة البيضاء في الثور الأسود». أي أن عدد أمته المؤمنة التي ستُنجى من النار وتدخل الجنة، قليل جداً مقارنة بthe vast number of people from other nations who will enter Hellfire. فالنسبة المخيفة (99%) هي من عموم ذرية آدم، وأمة محمد ﷺ هي خير الأمم، وسيكون ناجوها أكثر نسبياً من غيرها، ولكنها مع ذلك ستكون قليلة العدد مقارنة بthe total population of humanity that has ever lived.

---

ثالثاً. الدروس المستفادة والعبر:

1- عظمة يوم القيامة وهوله: الحديث يصور عظمة الموقف وجلاله، حيث يحاسب الله الخلائق ويقضي بينهم.
2- شرف آدم عليه السلام: بأنه أبو البشر وأول من يناديبه الله في ذلك اليوم.
3- كمال طاعة آدم لله: حيث أجاب فوراً بـ "لبيك وسعديك" دون تردد.
4- سعة رحمة الله وعظم عدله: فالنسبة المذكورة تظهر عدل الله تعالى، حيث لا يدخل أحد النار إلا بحقه، وهي في الوقت نفسه تدفع العبد إلى الخوف من الله واستشعار عظم المسؤولية.
5- فضل أمة محمد ﷺ: ف رغم أنه قلّة عدد الناجين من عموم البشر، إلا أن أمة الإسلام هي خير الأمم، وسيكون فيها عدد الناجين أكبر نسبياً من غيرها، كما ورد في أحاديث أخرى.
6- الحث على العمل الصالح والخوف من الله: هذا الحديث يزرع في القلب الخوف من المصير السيء، ويحث المسلم على أن يجتهد في عمل الصالحات ليكون من الناجين.
7- قلة الناجين: الحديث من البشائر لأمة محمد ﷺ، ولكنه في نفس الوقت يحذر من الغرور والاستكثار من الأعمال، ويبين أن الناجين قلة، مما يدعو المسلم إلى المنافسة في الخيرات والمسارعة إلى الطاعات.

---

رابعاً. معلومات إضافية مفيدة:

- يؤخذ من الحديث أن أهل النار من بني آدم أكثر من أهل الجنة، كما ذكر ذلك الإمام النووي وغيره.
- يستفاد أن آدم عليه السلام سيشفع في ذريته، كما في هذا الموقف.
- هذا الحديث لا يتعارض مع الأحاديث التي تبين أن أمة محمد ﷺ هي أكثر أهل الجنة، لأن تلك الأحاديث تُفيد الكثرة العددية *النسبية* مقارنة بother nations، وليس المطلقة. فالأمة الإسلامية آخر الأمم وأقصرها عمراً، ولكنها ستكون نصف أو ثلث أهل الجنة كما في الصحيحين، وهذا من فضل الله عليها.
نسأل الله تعالى أن يجعلنا من أهل الجنة، وأن ينجينا من النار ومن عذابها.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.