إياكم والظلم فإن الظلم ظلمات يوم القيامة

شرح الحديث:

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله الأمين، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد،
فيسرني أن أقدم شرحًا لهذا الحديث النبوي الشريف، الذي يجمع تحذيرات عظيمة من رسول الله ﷺ لأمته، معتمدًا في ذلك على كبار شراح الحديث من أهل السنة والجماعة.

---

نص الحديث:

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول اللَّه ﷺ: «إياكم والظلم؛ فإن الظلم ظلمات عند اللَّه يوم القيامة. وإياكم والفحش؛ فإن اللَّه لا يحب الفحش والتفحش. وإياكم والشح؛ فإنه دعا من قبلكم، فاستحلوا محارمهم، وسفكوا دماءهم، وقطعوا أرحامهم».
رواه الإمام أحمد في مسنده، والحاكم في مستدركه، وقال: صحيح الإسناد.

---

أولاً. شرح المفردات:

● إياكم: كلمة تحذير، أي احذروا وابتعدوا.
● الظلم: وضع الشيء في غير موضعه، ويتضمن التعدي على حقوق الله أو حقوق العباد.
● ظلمات: جمع ظلمة، وهي الإظلام والحيرة والضلال.
● الفحش: كل قول أو فعل قبيح ومستنكر، كالسب والشتم والفحش في الكلام.
● التفحش: المبالغة في الفحش والتصريح بالقبائح.
● الشح: هو البخل الشديد مع الحرص على أخذ أموال الناس، وهو شدة الحرص على المال ومنع الحقوق الواجبة.
● دعا: سبب وأدى بهم.
● استحلوا محارمهم: اعتقدوا حل ما حرم الله عليهم من الأموال والأعراض.
● سفكوا دماءهم: أراقوا دماء بعضهم بعضًا بغير حق.
● قطعوا أرحامهم: قاطعوا أقاربهم ولم يصلوهم.

---

ثانيًا. شرح الحديث:

يحتوي هذا الحديث على ثلاث وصايا عظيمة، كل واحدة منها تحذير من خلق ذميم وعاقبته الوخيمة:
1- التحذير من الظلم:
- قوله ﷺ: «إياكم والظلم؛ فإن الظلم ظلمات عند اللَّه يوم القيامة» تحذير صريح من اقتراف الظلم بجميع أنواعه، سواء كان ظلمًا للنفس بالمعاصي، أو ظلمًا للعباد بالتعدي على حقوقهم أو أموالهم أو أعراضهم.
- والظلم "ظلمات" يوم القيامة: لأنه يحجب عن صاحبه نور الإيمان، ويُظلم قلبه في الدنيا، ويُحجب عن نور الهدى، وفي الآخرة يُحجب عن نور الجنة ويُساق إلى ظلمات العذاب. كما قال تعالى: {وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ}.
2- التحذير من الفحش والتفحش:
- قوله ﷺ: «وإياكم والفحش؛ فإن اللَّه لا يحب الفحش والتفحش» نهي عن كل قول أو فعل قبيح، كالسب والشتم والكلام البذيء، والتصرفات المنكرة.
- والله تعالى لا يحب الفاحش ولا المتفحش، بل يبغضهما، كما جاء في القرآن: {إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ خَوَّانًا أَثِيمًا}، والفاحش داخل في ذلك. والمؤمن ينبغي أن يكون حليمًا عفيفًا بعيدًا عن كل ما يشينه.
3- التحذير من الشح:
- قوله ﷺ: «وإياكم والشح؛ فإنه دعا من قبلكم، فاستحلوا محارمهم، وسفكوا دماءهم، وقطعوا أرحامهم» هذا تحذير شديد من داء الشح، وهو البخل المدمر.
- والشح لا يقتصر على منع المال فحسب، بل هو داء يؤدي إلى حب الذات المفرط، فيحمّل صاحبه على استباحة المحرمات من أموال الناس بالسرقة والغش والربا، وإلى سفك الدماء بالقتل والعدوان، وإلى قطع الأرحام وعدم صلة الأقارب.

---

ثالثًا. الدروس المستفادة والعبر:

1- الظلم مهلكة: فالظلم من الكبائر، وقد قال تعالى: {وَتِلْكَ الْقُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا}. وعلى المسلم أن يعدل في كل شيء.
2- الخلق الحسن من الإيمان: المؤمن بعيد عن الفحش، بل يتخلق بالحلم والكلمة الطيبة، كما قال ﷺ: «ليس المؤمن بالطعان ولا اللعان ولا الفاحش ولا البذيء».
3- الشح داء عضال: فهو يفسد العلاقات، ويذهب المروءة، ويؤدي إلى ارتكاب المحرمات. والوقاية منه تكون بالزكاة والصدقة والإنفاق في سبيل الله.
4- العاقبة الوخيمة: الحديث يربط بين الأخلاق الذميمة وعواقبها في الدنيا والآخرة، فكما أن الظلم ظلمات، فإن الشح أدى بالأمم السابقة إلى الهلاك.
5- التربية على مكارم الأخلاق: النبي ﷺ يربي أمته على تجنب الرذائل والتخلق بالفضائل.

---

خاتمة:

هذا الحديث من جوامع كلم النبي ﷺ، جمع تحذيرات من ثلاثة أمراض خطيرة تفتك بالفرد والمجتمع: الظلم، والفحش، والشح. وهي وصية جامعة لكل مسلم ليتقي هذه الآفات، ويسعى في تطهير نفسه منها، حتى يفوز برضا الله تعالى وينجو من عذابه.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
والله أعلم.