من أخذ أرضا بغير حق كلف أن يحمل ترابها إلى المحشر

شرح الحديث:

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
حياكم الله و بياكم، وأسأل الله أن يوفقنا وإياكم للعلم النافع والعمل الصالح، ولفهم كتابه وسنة نبيه ،وأن يعلمنا ما ينفعنا وينفعنا بما علمنا، وأن يزيدنا علماً وفقهاً وتوفيقاً وأجراً إنه هو الكريم الوهاب.
هذا حديث عظيم من أحاديث الوعيد، يحذرنا النبي صلى الله عليه وسلم من خطورة التعدي على حقوق الآخرين، وخصوصاً حقوقهم في الأرض والعقار.

---

الحديث بلفظه:

عن يعلى بن مرة الثقفي رضي الله عنه يقول: سمعت رسول اللَّه ﷺ يقول: «مَنْ أَخَذَ أَرْضًا بِغَيْرِ حَقٍّ كُلِّفَ أَنْ يَحْمِلَ تُرَابَهَا إِلَى الْمَحْشَرِ».
رواه الإمام أحمد في مسنده، والطبراني في المعجم الكبير، وقال الشيخ الألباني رحمه الله: إسناده صحيح.

---

الشرح التفصيلي:

---

# 1. شرح المفردات:

* أَخَذَ أَرْضًا: أي استولى على قطعة أرض، سواء بالغصب، أو بالاحتلال، أو بالتدليس والاحتيال في البيع والشراء، أو بغير ذلك من الطرق غير المشروعة.
* بِغَيْرِ حَقٍّ: أي بدون سبب شرعي يبيح له ذلك، كشراء صحيح، أو هبة صحيحة، أو إرث.
* كُلِّفَ: أُجبر وأُحمِّل هذا الحمل الثقيل والعذاب العظيم.
* تُرَابَهَا: تراب تلك الأرض بعينها، وهو ما يشير إلى عظم الجرم وأن العقاب من جنس العمل.
* إِلَى الْمَحْشَرِ: المحشر هو المكان الذي يحشر إليه الناس يوم القيامة للحساب والجزاء، وهو مكان بعيد وشاق الوصول إليه.

---

# 2. معنى الحديث الإجمالي:

يخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم أن من يتعدى على حق غيره في الأرض ويستولي عليها بغير حق شرعي، فإن عقابه يوم القيامة سيكون شديداً ومتناسباً مع جرمه، حيث يُحمل على حمل تراب تلك الأرض كلها وهو في أشد حالات المشقة والعطش يوم القيامة، ليصل بهذا الحمل الثقيل إلى أرض المحشر، حيث يحاسبه الله تعالى على غصبه.
وهذا وعيد شديد يدل على عظم جرم الاعتداء على أموال الناس وحرماتهم، وخصوصاً الأرض لكونها أساس السكن والمعيشة.

---

# 3. الدروس والعبر المستفادة:

* تحريم الغصب وعظم عقوبته: الحديث تحذير صريح من أي شكل من أشكال أخذ أموال الناس بغير حق، وخصوصاً الأرض.
* العقوبة من جنس العمل: كما أن الإنسان أخذ الأرض الدنيوية (التراب) بغير حق، فإن عقوبته أن يحمل هذا التراب نفسه يوم القيامة. وهذا من حكمة الله في الجزاء.
* الحث على رد المظالم: يجب على من اغتصب أرضاً أو أي حق لأخيه أن يبادر إلى ردها إليه أو التحلل منه قبل أن يأتي يوم لا ينفع فيه مال ولا بنون.
* العدل والورع في المعاملات: على المسلم أن يكون شديد التحري والورع في معاملاته المالية، فلا يدخل فيها شبهة.
* بيان شدة هول يوم القيامة: حيث يُكلّف الإنسان فيه بأعمال تبدو مستحيلة في الدنيا (كحمل تراب أرض كاملة) مما يزيد في خوف المؤمن ورغبته في تجنب مواطن الغضب.

---

# 4. معلومات إضافية مفيدة:

* هذا الوعيد لا يختص بالأرض فقط، بل يعم كل مال مغصوب، ولكن خصصت الأرض بالذكر لشدة الحاجة إليها وعموم البلوى بها.
* من اغتصب أرضاً ومات قبل أن يردها، فإن إثمها عليه، وليس عليه أن يوصي بردها لأنها ليست ملكاً له ليوصي بها، ولكن على ورثته أن يردوها إلى أصحابها.
* ينبغي للمسلم إذا اشترى أرضاً أو عقاراً أن يتثبت من ملكية البائع لها ويتحرى العدل حتى لا يقع في شبهة هذا الوعيد.
اللهم إنا نعوذ بك من greed الطمع، ومن أخذ ما ليس لنا بحق، واجعلنا ممن يرد المظالم إلى أهلها ويحافظ على حقوق العباد.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.