أما لئن حلف على ماله ليأكله ظلما ليلقين الله وهو عنه معرض

شرح الحديث:

بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله الأمين، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد، فإليكم شرح هذا الحديث النافع الذي رواه الإمام البخاري في صحيحه، مع بيان فوائده ودروسه المستفادة:

---

الحديث:

عن وائل بن حجر، عن أبيه قال: جاء رجل من حضرموت، ورجل من كندة إلى النبي ﷺ، فقال الحضرمي: يا رسول اللَّه، إن هذا قد غلبني على أرض لي كانت لأبي. فقال الكندي: هي أرضي في يدي أزرعها ليس له فيها حق. فقال رسول اللَّه ﷺ للحضرمي: «ألك بينة؟». قال: لا. قال: «فلك يمينه». قال: يا رسول اللَّه، إن الرجل فاجر لا يبالي على ما حلف عليه، وليس يتورع من شيء. فقال: «ليس لك منه إلا ذلك». فانطلق ليحلف، فقال رسول اللَّه ﷺ لما أدبر: «أما لئن حلف على ماله ليأكله ظلما ليلقين اللَّه وهو عنه مُعرض».

---

الشرح:

---

# أولاً. شرح المفردات:

● حضرموت وكندة: منطقتان معروفتان في اليمن.
● غلبني: انتزعها مني قهرًا وظلمًا.
● بينة: دليل أو شهادة تشهد بحقك.
● فاجر: خارج عن الطاعة، متجرئ على المعاصي.
● لا يبالي: لا يهتم ولا يخاف.
● يتورع: يتحرج ويخاف من الإثم.
● أدبر: ولّى وذهب.
● معرض: متجنبٌ غاضبٌ عليه.

---

# ثانيًا. شرح الحديث:

جاء رجلان إلى النبي صلى الله عليه وسلم يختصمان في أرض، فادعى الحضرمي أنها ميراث من أبيه، وأن الكندي اغتصبها منه. أما الكندي فأنكر ذلك وزعم أنها أرضه يزرعها ولا حق للحضرمي فيها.
فاستمع النبي صلى الله عليه وسلم إلى كليهما، ثم سأل المدعي (الحضرمي): هل لديك دليل أو شاهد؟ فقال: لا. فحكم النبي صلى الله عليه وسلم بأن يحلف الخصم (الكندي) ليدفع عن نفسه التهمة، وهذا ما يعرف في الفقه بـ "يمين المدعى عليه".
فاعترض الحضرمي قائلاً: إن هذا الرجل فاسق لا يخاف الله في حلفه، ولا يتحرج من الكذب. فأخبره النبي صلى الله عليه وسلم أن هذا هو الإجراء الشرعي الوحيد في مثل هذه الحالة عند عدم وجود بينة.
فلما ذهب الكندي ليحلف، قال النبي صلى الله عليه وسلم تحذيرًا ووعيدًا: إذا حلف كاذبًا ليأخذ مال غيره ظلمًا، فإن الله سيلقاه وهو معرض عنه غاضب عليه.

---

# ثالثًا. الدروس المستفادة:

1- إثبات الحقوق بالبينات: يحث الإسلام على إثبات الحقوق بالأدلة والبراهين.
2- حكم اليمين عند انعدام البينة: إذا لم يكن للمدعي بينة، فيحلف المدعى عليه لينفي التهمة.
3- خطورة الحلف الكاذب: اليمين الكاذبة من الكبائر، وهي سبب لغضب الله وإعراضه.
4- العدل في القضاء: النبي صلى الله عليه وسلم لم يستمع لشهادة الحضرمي على فسق خصمه بدون دليل، حفظًا للحقوق.
5- التقوى في المعاملات: يجب على المسلم أن يتقي الله في أموال الناس، ولا يأكلها بالباطل.

---

# رابعًا. فوائد إضافية:

- الحديث يدل على حرص الإسلام على حفظ الأموال وحرمة أكلها بالباطل.
- فيه تحذير شديد من الظلم والغش والحلف الكاذب.
- بيان حكمة النبي صلى الله عليه وسلم في فض النزاعات بالطرق الشرعية.
- التأكيد على أن القضاء لا يستند إلى الظنون، بل إلى الأدلة والبراهين.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.