من حلف على يمين صبر يقتطع بها مال امرئ مسلم

شرح الحديث:

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
حياكم الله و بياكم، ونسأل الله أن ينفعنا وإياك بالعلم النافع. هذا حديث عظيم من جوامع كلم النبي صلى الله عليه وسلم، يحذر من أمر عظيم وخطب جليل، وهو الحلف الكاذب لأخذ أموال الناس بالباطل.

---

أولاً. شرح المفردات:

● "يمين صبر": هي اليمين التي يحلفها الشخص ليقطع بها حق غيره، أو ليدفع بها حقاً عليه. وقيل سُميت "صبر" لأنها تُصبر أي تُحبس وتُقيد، فكأنها تحبس الحق عن صاحبه.
● "يقتطع بها مال امرئ مسلم": أي يأخذ ويقطع بيمينه الكاذبة مال أخيه المسلم.
● "هو فيها فاجر": أي هو في هذه اليمين فاجر، كاذب، متعدٍ لحدود الله، يعلم في نفسه الكذب والظلم.
● "لقي الله وهو عليه غضبان": أي أن الله تعالى سيلاقيه يوم القيامة وهو غضبان عليه بسبب هذه اليمين الكاذبة التي أكل بها مال غيره.

---

ثانياً. شرح الحديث:

يخبرنا الصحابي الجليل عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم حذر تحذيراً شديداً من أن يحلف الإنسان يميناً كاذبة عالماً متعمداً، ليأخذ بها مالاً ليس له حق فيه. وهذا الفعل من كبائر الذنوب، لأنه جمع بين الكذب والحلف بالله كذباً، وأكل مال المسلم بالباطل، وهو ظلم عظيم.
ثم جاءت القصة التي توضح سبب نزول الحديث، حيث حكى الأشعث بن قيس رضي الله عنه أن نزول هذا الحديث كان في قضية بينه وبين رجل آخر على أرض باليمن، فتحاكما إلى النبي صلى الله عليه وسلم. فطلب النبي صلى الله عليه وسلم من الأشعث البينة (أي الشهود) فلم تكن عنده، فحكم النبي صلى الله عليه وسلم بيمين خصمه. فاندهش الأشعث من أن خصمه سيتجرأ على الحلف كذباً ليأخذ الحق، فأنزل الله تعالى هذا الحديث تحذيراً لمن يفعل هذه الفعل، وأن مصيره أن يلقى الله وهو عليه غضبان.
ويذكر الأشعث أن هذه الآية الكريمة نزلت في هذا المعنى: {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَٰئِكَ لَا خَلَاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [آل عمران: 77]. فهؤلاء استبدلوا عهد الله وأيمانهم بثمن قليل من الدنيا، فحُرموا من كل خير في الآخرة.

---

ثالثاً. الدروس المستفادة والعبر:

1- عظم خطر اليمين الكاذبة لأخذ الأموال: فهي من الكبائر التي توجب غضب الله تعالى وعذابه الأخروي الشديد.
2- حرمة مال المسلم: فمال المسلم محرم، لا يحل لأحد أن يأخره إلا بطيب نفس منه، أو بحق ثابت شرعاً.
3- التحذير من الظلم: واليمين الكاذبة لأخذ مال الغير هي من أشنع أنواع الظلم.
4- أهمية البينات في إثبات الحقوق: فالشريعة جعلت لإثبات الحقوق طرقاً شرعية، منها البينات والشهود، ومنها اليمين في حال отсут الدليل.
5- خوف السلف من اليمين: كان الصحابة والتابعون يخافون من اليمين أشد الخوف، ويتورعون عنها، حتى لا يقعوا في الإثم.

---

رابعاً. معلومات إضافية مفيدة:

- هذا الحديث أخرجه الإمام البخاري ومسلم في صحيحيهما، وهما أصح الكتب بعد كتاب الله تعالى.
- "يمين الصبر" تسمى أيضاً "اليمين الغموس" لأنها تغمس صاحبها في الإثم ثم في النار.
- على المسلم أن يتقي الله ويصدق في جميع أحواله، وإذا اضطر إلى اليمين في خصومة، فليحلف بالله صادقاً، أو ليترك الحق لأخيه ويتورع عن اليمين.
نسأل الله تعالى أن يجنبنا الفواحش ما ظهر منها وما بطن، وأن يوفقنا للصدق في الأقوال والأعمال.
والله تعالى أعلم.