من قتل دون ماله فهو شهيد

شرح الحديث:

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
حياكم الله و بياكم، وأسأل الله أن ينفعنا وإياك بالعلم النافع.
هذا الحديث الذي ذكر يحمل قصة عظيمة وعبراً جليلة، وسأشرحه لك جزءاً جزءاً بإذن الله، معتمداً على كبار شراح الحديث من أهل السنة والجماعة.
أولاً: شرح مفردات الحديث:
● تيسروا للقتال: تهيأوا واستعدوا للقتال، أي أن كلا الفريقين استعد للقتال والمواجهة.
● فركب خالد بن العاص: أي ذهب إليه راكباً (على دابته) ليقابله.
● فوعظه خالد: نصحه وخاطبه بكلام يعظه ويذكره بالله والعواقب.
● دون ماله: في سبيل الدفاع عن ماله وحمايته من الظلم والاعتداء.
● فهو شهيد: أي له أجر الشهيد في الآخرة، وإن مات على فراشه.
ثانياً: شرح الحديث وقصته:
● السياق والقصة: حدث نزاع أو خلاف بين الصحابي الجليل عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما (وهو ابن الصحابي الشهير عمرو بن العاص، وكان من كبار العلماء والعباد)، وبين عنبسة بن أبي سفيان (أخو معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما). ووصل الأمر إلى درجة الاستعداد للقتال بين الطرفين.
● دور الوساطة: هنا يأتي دور خالد بن العاص (وهو أخو عمرو بن العاص، وعم عبد الله بن عمرو) محاولاً تهدئة الأمور. فركب إلى عبد الله بن عمرو (ابن أخيه) ونصحه ووعظه لكي يكف عن القتال ويحل النزاع سلمياً.
● رد عبد الله بن عمرو: استدل عبد الله بن عمرو رضي الله عنه بهذا الحديث النبوي الشريف: «من قتل دون ماله فهو شهيد». أي أنه يرى أن دفاعه عن حقه وماله ضد من يظلمه ويغتصبه هو دفاع مشروع، وأن من يُقتل في هذه الحالة له أجر الشهداء. وهذا يدل على شجاعته وتمسكه بحقه، ولكن في نفس الوقت جاء خالد بن العاص ليرجعه إلى الحكمة ودرء الفتنة.
ثالثاً: الدروس والعبر المستفادة:
1- فضل الدفاع عن المال والحق: الحديث أصل عظيم في بيان فضل من يدافع عن ماله وعرضه وحقه ضد المعتدي. وقد وردت أحاديث أخرى بمعناه، مثل قوله صلى الله عليه وسلم: «من قُتل دون ماله فهو شهيد، ومن قُتل دون دمه فهو شهيد، ومن قُتل دون دينه فهو شهيد، ومن قُتل دون أهله فهو شهيد» (رواه أبو داود والترمذي والنسائي، وصححه الألباني). وهذا حث على عدم التهاون في الدفاع عن الحقوق المشروعة.
2- الحكمة ودرء الفتنة: موقف خالد بن العاص يذكرنا بأهمية السعي للإصلاح بين الناس وتهدئة النفوس عند الغضب. فالمسلم الحكيم يسعى لحل الخلافات بالحكمة والموعظة الحسنة، وليس بالتصعيد. فدفع الظلم واجب، ولكن يجب أن يكون بالطرق الشرعية والحكيمة التي تدرأ الفتنة وتقلل الشر.
3- الاستدلال بالسنة: أن الصحابة رضي الله عنهم كانوا حريصين على تطبيق سنة النبي صلى الله عليه وسلم والعمل بها، حتى في أحلك المواقف وأصعبها. فاستدلال عبد الله بن عمرو بالحديث показывает مدى تمسكهم بالوحي وتطبيقه في واقع حياتهم.
4- التحذير من التسرع في القتال بين المسلمين: القصة تُظهر كيف أن النزاعات بين المسلمين (وإن كانوا من خيرة الصحابة) يمكن أن تتطور إلى مواجهة مسلحة لو لم يتدخل العقلاء والحكماء. وهذا تحذير من خطورة التسرع وترك العنان للغضب.
رابعاً: معلومات إضافية:
● حكم الحديث: الحديث صحيح، وقد أخرجه الإمام أحمد في مسنده، وقال عنه الشيخ شعيب الأرناؤوط: إسناده صحيح. وهو موجود في الصحيحين بمعناه.
● معنى "شهيد" هنا: قول النبي صلى الله عليه وسلم «فهو شهيد» يعني أن له حكم الشهيد وأجره في الآخرة من حيث المغفرة والفضل، وإن كان يغسل ويصلى عليه (خلافاً للشهيد في المعركة الذي لا يغسل). فهو من شهداء الآخرة، وليس بالضرورة أن تطبق عليه كل أحكام شهداء المعركة في الدنيا.
● ضوابط الدفاع عن المال: دفاع المسلم عن ماله مشروط بعدم تجاوز الحدود الشرعية. فلا يجوز أن يدفع الظلم بظلم أكبر، أو أن يقتل من هاجم ماله إذا أمكن دفع شره بأقل من ذلك. والقاعدة الشرعية: "لا يجوز دفاع الصائل بما يزيد على الصول".
أسأل الله أن يفقهنا في ديننا، وأن يجنبنا الفتن ما ظهر منها وما بطن. وصلى الله وسلم على نبينا محمد.