إملاء الله للظالم

شرح الحديث:

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
حياكم الله و بياكم، ونسأل الله أن يوفقنا وإياكم للعلم النافع والعمل الصالح، ولفهم كتابه وسنة نبيه ،وأن يعلمنا ما ينفعنا وينفعنا بما علمنا، وأن يزيدنا علماً وفقهاً وتوفيقاً وأجراً إنه هو الكريم الوهاب.
هذا حديث عظيم رواه الإمام البخاري ومسلم في صحيحيهما عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه، وفيه تحذير شديد من الظلم وعاقبته.

---

أولاً. شرح المفردات:

● يُمْلِي: من الإملاء، وهو التأخير وتمديد المهلة وعدم المعاجلة بالعقوبة.
● لِلظَّالِم: الذي يضع الشيء في غير موضعه، ويتجاوز حدوده ويعدي على حقوق الآخرين.
● لَمْ يُفْلِتْهُ: لم يتركه ولم ينجيه من عقابه، بل يأخذه أخذاً شديداً.

---

ثانياً. شرح الحديث:

يخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث أن الله سبحانه وتعالى، بحلمه وعفوه، يُمْهِلُ الظالم ولا يعاجله بالعقوبة في الدنيا، بل قد يوسع عليه في الرزق، ويمد له في العمر، ويُظهر له أسباب القوة والسلطان، فيظن الظالم أن الله راضٍ عنه أو أنه لن يحاسبه.
"حَتَّى إِذَا أَخَذَهُ" أي حتى إذا استدرجه وأخذته قدرة الله وعظمته، "لَمْ يُفْلِتْهُ" أي لم يتركه ولم ينجه من عقابه، بل يأخذه أخذ عزيز مقتدر، عقوبة له على ظلمه.
ثم قرأ النبي صلى الله عليه وسلم الآية الكريمة من سورة هود: ﴿وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ﴾ ليؤكد المعنى ويضرب له الأمثال من قصص الأمم السابقة التي أهلكها الله بسبب ظلمها، مثل قوم نوح وعاد وثمود وقوم لوط، بعد أن أملى لهم ثم أخذهم أخذ عزيز مقتدر.

---

ثالثاً. الدروس المستفادة والعبر:

1- التحذير الشديد من الظلم: الظلم من كبائر الذنوب وعواقبه وخيمة في الدنيا والآخرة. والظلم يشمل ظلم الإنسان لنفسه بالشرك والمعاصي، وظلمه للغير بالاعتداء على الأموال أو الأعراض أو الحقوق.
2- عدم الغرور بإمهال الله: لا ينبغي للمرء أن يغتر بتأخير العقوبة عليه وهو على معصية، فذلك استدراج وإملاء، وهو من علامات سوء الخاتمة.
3- سعة حلم الله وعفوه: إن إملاء الله للظالم هو من باب حلمه تعالى، لعلهم يرجعون ويتوبون، فهو يعطي الفرصة للتوبة والإنابة.
4- أن عقوبة الله شديدة: إذا جاء أجل العقوبة، فإنها تكون شديدة أليمة لا مفر منها، كما حدث للأمم السابقة.
5- الحث على المسارعة إلى التوبة: يجب على العاصي والظالم أن يسرع في التوبة إلى الله قبل أن يفاجئه الأخذ وهو على معصيته.

---

رابعاً. معلومات إضافية:

- هذا الحديث يرد على من يستدل بسعة الرزق والعمر على رضا الله، فقد يكون ذلك استدراجاً.
- من أعظم الظلم الشرك بالله، ثم يأتي بعد ذلك ظلم العباد بعضهم لبعض.
- التوبة تهدم ما قبلها، فلو تاب الظالم وأناب ورد المظالم إلى أهلها، فإن الله يتوب عليه.
نسأل الله أن يجنبنا الظلم وأن يعيذنا من مضلات الفتن، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.