يُقَادُ للشَّاةِ الجَلْحَاءِ مِنَ الشَّاةِ القَرْنَاءِ

شرح الحديث:

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد، فهذا حديث عظيم من أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم الذي يصور لنا عدل الله تعالى يوم القيامة، ويبين شدة المحاسبة ودقتها.

---

الحديث:

عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لَتُؤَدُّنَّ الْحُقُوقَ إِلَى أَهْلِهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ، حَتَّى يُقَادَ لِلشَّاةِ الْجَلْحَاءِ مِنَ الشَّاةِ الْقَرْنَاءِ».
رواه مسلم في صحيحه.

---

شرح المفردات:

● لَتُؤَدُّنَّ: اللام لام القسم، و"تؤدن" فعل مضارع مؤكد بنون التوكيد الثقيلة، أي: ليؤدنَّ حقوق العباد بعضهم إلى بعض.
● الحقوق: جمع حق، وهو ما يجب لصاحبه من مال أو دم أو عرض أو غير ذلك.
● إلى أهلها: إلى مستحقيها.
● يُقَاد: من القصاص، أي يُؤخذ للشاة التي لا قرن لها قصاصًا من الشاة التي لها قرن.
● الْجَلْحَاء: التي لا قرن لها، أي مقطوعة القرن أو لا قرن لها أصلًا.
● الْقَرْنَاءِ: التي لها قرنان، أي كاملة القرن.

---

شرح الحديث:

يخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث عن عدل الله تعالى المطلق يوم القيامة، حيث لا يظلم أحدًا مثقال ذرة. ويؤكد بصيغة القسم والتوكيد أن جميع الحقوق التي بين العباد في الدنيا، سواء كانت كبيرة أو صغيرة، ستُرد إلى أصحابها.
ولبيان شدة هذا العدل ودقته، ضرب النبي صلى الله عليه وسلم مثلاً بأمرٍ يعد في نظر الناس تافهاً لا يُلتفت إليه، وهو أن الشاة التي لا قرن لها (الجَلْحَاء) ستأخذ حقها بالقصاص من الشاة التي لها قرن (القَرْنَاء) إذا نطحتها في الدنيا وأخذت حقها منها.
فإذا كان هذا هو الحال في أمر بهائم لا تكلف ولا تعقل، فكيف بالحقوق بين بني آدم الذين كلفهم الله وأمرهم ونهاهم؟! إن حقوقهم لأعظم وأوجب في الأداء.

---

الدروس المستفادة والعبر:

1- إثبات عدل الله تعالى: فالله عز وجل لا يظلم أحدًا، وسيحاسب على كل صغيرة وكبيرة.
2- الحث على أداء الحقوق لأهلها في الدنيا: فالحديث تحذير شديد من التهاون في حقوق العباد، والحث على المسارعة في إرجاعها واستبراء الذمة منها قبل يوم القيامة، حيث يكون الحساب عسيرًا.
3- شدة يوم القيامة وهوله: حيث يُقتص للبهائم من بعضها، فكيف بالإنسان الذي يعقل ويُكلف؟
4- أن حقوق العباد مبنية على المشاحة والمقاصة: فلا تُغفر إلا بالرضا أو القصاص، بخلاف حقوق الله تعالى التي هي محل عفو ومغفرة إذا تاب العبد.
5- التنبيه على أن المسلم يجب أن يكون دقيقًا في معاملاته: حريصًا على ألا يظلم أحدًا، حتى لو في الأمور التي يراها صغيرة.

---

تنبيه مهم:

هذا الحديث لا يعني أن البهائم تُحشر يوم القيامة ويُقتص بينها كما يُقتص بين الناس، فقد جاء في بعض الروايات ما يُفيد أن تصفيتها وتحللها تكون بعد أن تؤخذ لها حقوقها من الأخرى، ثم تُجعَل ترابًا. والمقصود الأصلي هو بيان شدة العدل الإلهي وعدم ضياع أي حق.
فاللهم اغفر لنا وتجاوز عن تقصيرنا، وأصلح ذات بيننا، واهدنا لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.