من فرج عن مسلم كربة، فرج الله عنه بها كربة من كرب يوم القيامة

شرح الحديث:

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
حياكم الله و بياكم، ونسأل الله أن ينفعنا وإياك بهذا الحديث العظيم.

---

الحديث الشريف:

عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أخبر أن رسول الله ﷺ قال: «المسلم أخو المسلم، لا يظلمه، ولا يُسْلِمه، ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرَّج عن مسلم كربة فرج الله عنه كربة من كربات يوم القيامة، ومن ستر مسلماً ستره الله يوم القيامة».
[رواه البخاري ومسلم]

---

1. شرح المفردات:

● أخو المسلم: أي أن العلاقة بين المسلمين ليست مجرد علاقة اجتماعية، بل هي رابطة إيمانية أخوية قوية.
● لا يظلمه: لا ينقصه حقه، ولا يعتدي عليه في ماله أو عرضه أو نفسه.
● ولا يُسْلِمه: لا يخذله ولا يسلمه لأعدائه، ولا يقف موقف المتفرج إذا رأيه يُظلم أو يُعتدى عليه.
● في حاجة أخيه: أي يساعده ويقوم بمؤازرته وقضاء حاجته.
● فرَّج عن مسلم كربة: أي أزال همّاً أو شدة أو ضيقاً أصاب أخاه المسلم، سواء كانت مادية أو معنوية.
● ستَر مسلماً: أي ستر عيباً أو ذنباً له، ولم يفضحه أو يهتك ستره.

---

2. شرح الحديث:

يضع النبي ﷺ في هذا الحديث الأسس المتينة للمجتمع المسلم، المبني على التراحم والتكافل، ويبين أن العلاقة بين أفراده هي علاقة أخوة في الدين، تترتب عليها حقوق وواجبات.
● «المسلم أخو المسلم، لا يظلمه، ولا يُسْلِمه»: هذا تأكيد على حرمة المسلم وأخوته، فيحرم ظلمه بأي شكل من الأشكال، كما يحرم على المسلم أن يخذل أخاه أو يسلمه للضرر وهو قادر على نصرته. وهذا من كمال الإيمان.
● «ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته»: هذه بشارة عظيمة، فمن يسعى في قضاء حوائج إخوانه، ويتفقد أمورهم، فإن الله تعالى يتولى قضاء حوائجه في الدنيا والآخرة، ويكفيه همومه. وقضاء الحوائج من أفضل القربات إلى الله.
● «ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه كربة من كربات يوم القيامة»: يوم القيامة له كرب عظيمة وشدائد هائلة، وهذا الجزاء من جنس العمل. فمن فرج كربة عن أخيه في الدنيا، من جوع أو خوف أو ضيق مال أو علم، فرج الله عنه تلك الكرب العظيمة يوم لا مغيث إلا هو.
● «ومن ستر مسلماً ستره الله يوم القيامة»: الستر من الأخلاق الإسلامية العالية، فالمسلم يستر عورة أخيه ولا يفضحه، ويغض بصره عن عيوبه. وجزاء ذلك من الله تعالى أن يستره يوم القيامة، يوم تبدو فيه الأسرار وتُعرض الأعمال، فيستره الله برحمته عن الفضيحه والعار.

---

3. الدروس المستفادة والعبر:

1- قوة رابطة الأخوة الإيمانية: فهي أقوى من كل الروابط البشرية، وتوجب على المسلم نصر أخيه والوقوف معه.
2- تحريم الظلم والخذلان: يجب على المسلم أن يكون عضواً نافعاً في مجتمعه، يحمي أخاه ولا يعين على ظلمه.
3- التكافل الاجتماعي: السعي في قضاء حوائج المسلمين من صميم الدين، وهو سبب لنيل محبة الله وعونه.
4- فضل إغاثة الملهوف وكشف الكرب: هذا العمل من أعظم أبواب الخير، وهو سبب لتفريج كرب الآخرة.
5- الترغيب في الستر والعفو: вместо التشهير والعيب، مما يعزز التسامح والمغفرة في المجتمع.
6- الجزاء من جنس العمل: وهو سنة إلهية، فكما تعامل الناس يعاملك الله.

---

4. معلومات إضافية مفيدة:

- هذا الحديث يجمع بين حقوق الله (العبادات) وحقوق العباد (المعاملات)، مما يدل على تكامل الدين.
- الجزاء في الحديث (كان الله في حاجته، فرج الله عنه، ستره الله) يدل على عظم هذه الأعمال عند الله، وأن الجزاء عليها comes directly from الله تعالى، مما يزيد في قيمتها وحث المسلمين عليها.
- ينبغي للمسلم أن يحرص على هذه الأعمال طمعاً في هذا الجزاء العظيم، خاصة في زمن كثرت فيه الكرب والهموم.
أسأل الله أن يجعلنا من الذين ينصرون إخوانهم، ويقضون حوائجهم، ويفرجون كربهم، ويسترون عيوبهم.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.