من أخذ شبرا من الأرض بغير حق طوقه إلى سبع أرضين

شرح الحديث:

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
حياكم الله و بياكم، ونسأل الله أن يوفقنا وإياكم للعلم النافع والعمل الصالح، ولفهم كتابه وسنة نبيه ،وأن يعلمنا ما ينفعنا وينفعنا بما علمنا، وأن يزيدنا علماً وفقهاً وتوفيقاً وأجراً إنه هو الكريم الوهاب.
هذا الحديث العظيم رواه الإمام البخاري في صحيحه، وهو تحذير شديد من ظلم الناس في أرضهم وأملاكهم، واغتصاب شيء منها ولو كان قليلاً.

---

أولاً. شرح المفردات:

● شبراً: الشبر هو ما بين طرف الإبهام وطرف الخنصر (أو الوسطى في بعض التعريفات) عند بسط الكف، وهو قياس صغير يُضرب به المثل في القلة.
● بغير حقه: أي بدون حق شرعي يبيح له ذلك، كشراء أو هبة أو إرث.
● طوقه الله: جعله طوقاً في عنقه، أي حمّله إياه ثقيلاً كالطوق.
● إلى سبع أرضين: أي من أعلى الأرض إلى أدناها، والمراد شدة الحمل وعظمه.

---

ثانياً. شرح الحديث:

يخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث أن من اغتصب من أرض غيره ولو مقدار شبر واحد - وهو مقدار ضئيل جداً - بدون حق شرعي، فإن عقوبته يوم القيامة أن يحمَّل هذا الشبر المغتصب، ولكن لا يحمله بشكل عادي، بل يصبح كالطوق الثقيل في عنقه، ويغوص به إلى أسفل سافلين، حتى يبلغ به قاع الأرض السابعة. وهذا تصوير لعظم الجرم وثقل العقوبة.
والحديث ليس مقصوراً على الأرض فقط، بل يعم كل اغتصاب لأي حق من حقوق الناس، من مال أو عرض أو غير ذلك، ولكن الأرض خصت للذكر لأنها من الأمور الثابتة التي يسهل الاعتداء عليها ويصعب إثبات حقها.

---

ثالثاً. الدروس المستفادة والعبر:

1- تحريم الظلم مطلقاً: والتحذير الشديد من التعدي على حقوق العباد، ولو كانت قليلة في نظر الناس.
2- عقوبة الآخرة على الذنوب:尤其 ذنوب حقوق العباد التي لا يُغفرها الله إلا إذا رضي صاحبها.
3- الحث على رد المظالم: يجب على المسلم أن يتفحص ذمته، ويرد الحقوق إلى أصحابها في الدنيا قبل أن يأتي يوم القيامة ولا دينار ولا درهم.
4- القليل من الحرام لا يستخف به: فالكثير ينشأ من القليل، والقليل في المعصية يعاقب عليه.
5- عدل الله تعالى: حيث يجعل عقوبة الظلم بحسبه، فشبر من الأرض يطوق به إلى سبع أرضين.

---

رابعاً. معلومات إضافية:

- هذا الحديث يدخل في باب "الزجر عن أكل أموال الناس بالباطل".
- ينبغي للمسلم إذا كان عنده شبهة في أرض أو مال أن يستبرئ لدينه ويعيده إلى صاحبه أو يتصالح معه.
- من مات وعليه مظالم للناس، فلا بد لورثته من المسارعة إلى إبراء ذمته.
نسأل الله أن يعيننا على أداء الحقوق، ويباعد بيننا وبين الظلم والمعاصي. وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.