من كانت له مظلمة لأحد فليتحلله اليوم

شرح الحديث:

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
حياكم الله و بياكم، ونسأل الله أن يوفقنا وإياكم للعلم النافع والعمل الصالح، ولفهم كتابه وسنة نبيه ،وأن يعلمنا ما ينفعنا وينفعنا بما علمنا، وأن يزيدنا علماً وفقهاً وتوفيقاً وأجراً إنه هو الكريم الوهاب.
هذا الحديث العظيم الذي رواه الإمام البخاري في صحيحه يحمل تحذيراً شديداً من خطر المظالم بين العباد، خاصة ما يتعلق بالأعراض والحقوق المالية.

---

أولاً. شرح المفردات:

● مظلمة: أي ظلم وقع منه على أخيه المسلم، سواء في عرضه (بالغيبة أو النميمة أو السب) أو في ماله أو بدنه.
● فليتحلله: فليطلب منه أن يحله منها، أي أن يسامحه ويبرئ ذمته من هذا الظلم.
● اليوم: يعني في الحياة الدنيا، قبل فوات الأوان.
● قبل أن لا يكون دينار ولا درهم: قبل يوم القيامة حيث لا تنفع الأموال ولا تكون لها قيمة.
● أخذ منه بقدر مظلمته: يُقتَص منه من حسناته وتعطى للطرف المظلوم.
● أخذ من سيئات صاحبه فحمل عليه: إذا لم تكن للمظلِم حسنات، أخذ من سيئات المظلوم وأضيفت إلى المظلِم، فيتحمل إثمها.

---

ثانياً. شرح الحديث:

يخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم أن من ظلم أحداً في عرضه (بالشتم أو الغيبة أو القذف) أو في ماله أو غيره، يجب عليه أن يبادر إلى التحلل من صاحبه في الدنيا، بأن يذهب إليه ويعترف بظلمه ويطلب مسامحته ويرد حقه إن كان مالاً.
فإن لم يفعل ذلك في الدنيا، فإن الأمر سيحاسب عليه يوم القيامة، حيث لا تنفع الأموال ولا يُقبل إلا العمل الصالح. في ذلك اليوم العظيم، يُؤخذ من حسنات الظالم وتعطى للمظلوم بقدر ما ظلمه. فإن لم تكن للظالم حسنات كافية، أُخذ من سيئات المظلوم وحُمّلت على الظالم، فيزداد إثماً وعقاباً.

---

ثالثاً. الدروس المستفادة:

1- خطورة المظالم بين العباد: فهي لا تُغفر بمجرد التوبة بين العبد وربه، بل لا بد من رد الحقوق إلى أصحابها أو التحلل منهم.
2- الحث على المبادرة: يجب على المسلم أن يبادر إلى إصلاح ما بينه وبين إخوانه في الدنيا قبل فوات الفرصة.
3- العدل الإلهي: يوم القيامة يكون العدل الكامل، حيث يأخذ كل ذي حق حقه حتى لا تبقى لأحد مظلمة عند غيره.
4- التحذير من التساهل في الحقوق: كثير من الناس يتساهلون في أعراض الآخرين أو أموالهم، وهذا الحديث تحذير شديد من ذلك.

---

رابعاً. معلومات إضافية:

- هذا الحديث يبين أن التوبة من حقوق العباد لا تقبل إلا برد الحقوق أو التحلل من أصحابها.
- من ظلم أخاه في عرضه بالغيبة أو النميمة، يجب عليه أن يستحله ويذكر له ما اغتابه فيه ويطلب مسامحته.
- إذا كان المظلوم قد مات، فيستغفر له ويدعو له، ويرد الحق لورثته إن كان مالاً.
- ينبغي للمسلم أن يحاسب نفسه دائماً ويتفقد ما عليه من حقوق للآخرين ليبادر إلى ردها.
نسأل الله أن يطهر قلوبنا من الأحقاد، ويصلح ذات بيننا، ويغفر لنا ذنوبنا وظلمنا لأنفسنا. وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.