أي الإسلام أفضل؟ قال: أن يسلم المسلمون من لسانك ويدك

شرح الحديث:

بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد، فإن الحديث الشريف الذي سأل عنه السائل الكريم هو حديث عظيم جامع، رواه الإمام أحمد في مسنده، والحاكم في مستدركه، وغيرهما، عن الصحابي الجليل عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم.

---

شرح المفردات:

● الظلم: وضع الشيء في غير موضعه، وهو يشمل التعدي على حقوق الله أو حقوق العباد.
● الفحش: كل قول أو فعل قبيح ومستنكر.
● التفحش: المبالغة في الفحش أو التلفظ به.
● الشُّح: هو شدة البخل مع حرص.
● الفجور: الخروج عن طاعة الله، ويراد به هنا المعاصي والفسق.
● الهجرة: الترك، وشرعًا: الانتقال من دار الكفر إلى دار الإسلام.

---

شرح الحديث:

يبدأ الحديث بتحذيرات نبوية شديدة من ثلاث صفات مهلكة:
1- التحذير من الظلم:
- يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «إياكم والظلم؛ فإن الظلم ظلمات يوم القيامة».
- الظلم محرم في كل الشرائع، وهو من كبائر الذنوب، والمراد بالظلمات هنا: أن الظلم يسبب لصاحبه ظلمة في القلب، وظلمة في القبر، وظلمة في الآخرة، ويحجب عنه نور الإيمان والتوفيق.
2- التحذير من الفحش والتفحش:
- يقول صلى الله عليه وسلم: «وإياكم والفحش؛ فإن اللَّه لا يحب الفحش ولا التفحش».
- الفحش يشمل كل قبيح من الأقوال والأفعال، والله تعالى طيب لا يحب إلا طيبًا، فالمؤمن ينبغي أن يكون بعيدًا عن كل ما يشينه ويخدش حيائه.
3- التحذير من الشح:
- يقول صلى الله عليه وسلم: «وإياكم والشُّح؛ فإنما أهلك من كان قبلكم الشُّح، أَمَرهم بالقطيعة، فقطعوا أرحامهم، وأمَرهم بالفجور ففجروا، وأمَرهم بالبخل فبخلوا».
- الشح هو داء عضال يؤدي إلى قطع الأرحام، وإلى الفجور، وإلى البخل، وقد أهلك الأمم السابقة لأنه يدفع صاحبه إلى التعدي على حقوق الآخرين وحرمانهم ما يستحقون.
ثم يسأل رجل النبي صلى الله عليه وسلم عن أفضل الإسلام، فيجيبه: «أن يسلم المسلمون من لسانك ويدك»، أي أن يكون المسلم آمنًا من شر لسانك ويدك، فلا تؤذيه بقول ولا فعل. وهذا يدل على أن من أفضل الإسلام سلامة الناس من أذى المسلم.
ثم يسأل عن أفضل الهجرة، فيجيبه: «أن تهجر ما كره ربك»، أي أن تترك كل ما يغضب الله تعالى من المعاصي والذنوب، وهذه هجرة القلب والنفس، وهي هجرة مستمرة لا تنقطع.
ثم يبين النبي صلى الله عليه وسلم أنواع الهجرة بقوله: «الهجرة هجرتان: هجرة الحاضر، وهجرة البادي، أما البادي فيجيب إذا دعي، ويطيع إذا أُمِر. وأما الحاضر فهو أعظمهما بلية، وأعظمهما أجرا».
● هجرة البادي: وهو الذي يعيش في البادية، وهو سريع الاستجابة للدعوة إلى الخير والطاعة، لسهولة حياته وقلة تشعباتها.
● هجرة الحاضر: وهو المقيم في الحضر، حيث الفتن والمغريات أكثر، وصبره على الطاعة وترك المعاصي أعظم، لذلك فهو أعظم بلاءً وأعظم أجرًا.

---

الدروس المستفادة:

1. تحريم الظلم والفحش والشح، وأنها من الصفات المهلكة للفرد والمجتمع.
2. الحث على سلامة المسلمين من أذى اللسان واليد، وهذا من كمال الإيمان.
3. أن الهجرة الحقيقية هي هجرة المعاصي، وترك كل ما يكرهه الله تعالى.
4. أن المجاهدة في سبيل الله والصبر على الطاعة في زمن الفتن أعظم أجرًا.

---

معلومات إضافية:

- الحديث يدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يربي أصحابه على مكارم الأخلاق ويحذرهم من مساوئها.
- الشح هو من الأمراض القلبية التي تحتاج إلى مجاهدة وتوبة.
- الهجرة بمعناها الواسع تشمل هجرة الذنوب، وهجرة الكفار، وهجرة أهل المعاصي إذا لم تنفع معهم النصيحة.
نسأل الله تعالى أن يجنبنا الظلم والفحش والشح، وأن يوفقنا لطاعته، وأن يجعلنا من المهاجرين إليه حق الهجرة. وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.