الصدقة خمس وإلا فعشر وإلا فخمس عشرة

شرح الحديث:

بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد، فإن الحديث الذي طلبت شرحه حديث عظيم، رواه الإمام أحمد في مسنده، وفيه دروس وعبر جليلة، وإليك الشرح الوافي له على النحو التالي:

---

1. شرح المفردات:

● حَنظلة بن حِذْيم: راوي الحديث، وهو من الصحابة الكرام.
● حَنيفة: جد حنظلة، وهو من كبار قومه.
● حِذْيم: والد حنظلة.
● المُطيَّبة: الإبل المختارة الجيدة، التي كانت تسمى بهذا الاسم في الجاهلية.
● جثا على ركبتيه: أي نهض من جلوسه واعتمد على ركبتيه، دلالة على شدة اهتمامه وغضبه.
● الهِراوة: العصا.
● الوارم: المنتفخ المتورم.
● يتفل: ينفخ بريق قليل، وهو من أنواع الرقية الشرعية.

---

2. شرح الحديث:

يحكي هذا الحديث قصة حنيفة الجد الذي أراد أن يوصي قبل موته، فأوصى بأن يعطى يتيمه مائة من الإبل المختارة. لكن ابنه حذيم أخبره أن أبناءه الآخرين يخططون لاسترداد هذه الإبل بعد موته. فقرر حنيفة أن يرفع الأمر إلى النبي صلى الله عليه وسلم ليفصل فيه.
عندما ذهبوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وغضب عندما سمع بالوصية التي تخصص مائة من الإبل لليتيم، لأنه يعلم أن هذا قد يسبب ظلماً أو حرجاً للورثة. فنهض غاضباً وقال: "لا، لا، لا"، ثم بين أن الصدقة (أي النصيب الواجب في الوصية) يجب أن تكون محدودة بنسب معينة، مبتدئاً بخمس من الإبل، ثم يزيد تدريجياً حتى الأربعين إذا كثرت الإبل. وهذا بيان للحد الشرعي للوصية، الذي لا يجوز تجاوزه.
ثم لاحظ النبي صلى الله عليه وسلم عصا اليتيم التي كان يضرب بها جملاً، فأنكر ذلك وقال: "عظمت هذه هراوة يتيم"، يعني أن هذه العصا كبيرة وقوية ليتيم صغير، وكأنه يعاتب على معاملته بشدة.
وأخيراً، دعا النبي صلى الله عليه وسلم لحنظلة بالبركة، ومسح رأسه، فكان لهذا الدعاء أثر عظيم، حيث كان حنظلة بعد ذلك يبرئ ببركته الأمراض بوضع يده على موضع كف النبي صلى الله عليه وسلم.

---

3. الدروس المستفادة منه:

● تحكيم شرع الله في المنازعات: فإن حنيفة لم يتردد في رفع الأمر إلى النبي صلى الله عليه وسلم للفصل فيه، وهذا دليل على وجوب التحاكم إلى الشرع.
● الغضب لله: فإن النبي صلى الله عليه وسلم غضب عندما سمع بالوصية المخالفة للشرع، وهذا يعلمنا أن الغضب لله ولبس للهوى من صفات المؤمن.
● الوصية محدودة شرعاً: بين النبي صلى الله عليه وسلم أن الوصية لا يمكن أن تتجاوز الثلث، وأن تخصيص مائة من الإبل لليتيم دون اعتبار للورقة الآخرين ظلم.
● الرفق باليتيم: فإن النبي صلى الله عليه وسلم أنكر على اليتيم ضربه للجمل بعصا كبيرة، دلالة على وجوب الرفق باليتيم وعدم تحميله ما لا يطيق.
● بركة دعاء النبي صلى الله عليه وسلم: فإن دعاءه لحنظلة بالبركة كان له أثر عظيم في حياته، حتى أنه كان يشفى به الأمراض.

---

4. معلومات إضافية مفيدة:

- هذا الحديث يدل على أن الوصية لا تجوز أن تكون أكثر من الثلث، كما هو مقرر في الشرع.
- وفيه دليل على كمال شريعة الإسلام وعدلها، حيث تحمي حقوق الورثة واليتامى.
- وفيه أيضاً بيان لأخلاق النبي صلى الله عليه وسلم في رحمته بالصغار واليتامى، وغضبه لله عندما تنتهك حرماته.
أسأل الله أن ينفعنا بما علمنا، وأن يعلمنا ما ينفعنا، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.