الوصية للوالدين والأقربين حتى نسختها آية الميراث

شرح الحديث:

بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد، فهذا الحديث الذي رواه ابن عباس رضي الله عنهما يتعلق بمسألة الوصية للوالدين والأقربين قبل نزول آيات الميراث، وسأشرحه لكم وفق النقاط المطلوبة:

---

1. شرح المفردات:

● خَيْرًا: أي مالًا أو تركَةً صالحةً يتركها الميت.
● الْوَصِيَّةُ: هي التوصية بجزء من المال للغير بعد الموت، وكانت واجبةً قبل النسخ.
● لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ: أي للأبوين والأقارب الذين ليس لهم حقٌ مفروضٌ في الميراث.
● نَسَخَتْهَا: أي أبطَلَتْ حُكمها وآثارها، وحل محلها حكم جديد.

---

2. شرح الحديث:

هذا الحديث يرويه الصحابي الجليل عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، وهو من مفسري القرآن، ويبيّن أن الآية الكريمة في سورة البقرة: {إِن تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ} [البقرة: 180] كانت مُحْكمةً في بداية الإسلام، حيث أوجب الله تعالى على المسلم إذا ترك مالًا أن يوصي لوالديه وأقربائه الذين لا يرثون - كالأعمام أو الأخوال مثلاً - لضمان حقوقهم.
ثم نَسَخ الله هذا الحكم بآيات الميراث التي نزلت في سورة النساء، وهي قوله تعالى: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ} [النساء: 11] وما بعدها، حيث فصّل الله تعالى فيها أنصبة الورثة، فأصبحت الوصية للوالدين والأقربين غير واجبة، بل هي مندوبةٌ أو مستحبةٌ إذا كان الوالدان أو الأقارب محتاجين ولم يكونوا من الورثة.

---

3. الدروس المستفادة منه:

● نسخ الأحكام: بيان أن الشريعة الإسلامية تدرجت في تشريعها، وكان النسخ لحكمةٍ بالغةٍ، ومنها التيسير على الأمة وتمام العدل.
● رعاية حقوق الأقارب: التأكيد على أهمية رعاية صلة الرحم والاهتمام بحقوق الوالدين والأقارب، حتى بعد النسخ، فإن الوصية لهم مستحبة.
● فضل الله تعالى: بيان كمال الشريعة وعدلها، حيث نظم الله الميراث تنظيماً دقيقاً يضمن لكل ذي حق حقه.
● فهم النصوص الشرعية: أهمية الرجوع إلى علماء السلف لفهم النصوص القرآنية والحديثية في إطار النسخ والتدرج في التشريع.

---

4. معلومات إضافية:

- هذا الحديث رواه البخاري ومسلم في صحيحيهما، وهو متفق عليه.
- النسخ هنا هو نسخ الحكم لا التلاوة، فالآية باقية في المصحف، ولكن حكمها منسوخ.
- بعد النسخ، أصبحت الوصية للوالدين والأقربين سنةً مؤكدةً إذا كانوا غير ورثة، ويستحب ألا تزيد عن الثلث.
- من الحكم من النسخ: التيسير على الناس، ودفع المشقة، وإقامة العدل في توزيع التركة.
أسأل الله تعالى أن يفقهنا في الدين، وأن يوفقنا لطاعته، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.