تصدق عمر بأرض خيبر على الفقراء وابن السبيل

شرح الحديث:

بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله خاتم النبيين وإمام المتقين.
أهلاً بك أيها السائل الكريم، ونسأل الله أن يوفقنا وإياكم للعلم النافع والعمل الصالح، ولفهم كتابه وسنة نبيه ،وأن يعلمنا ما ينفعنا وينفعنا بما علمنا، وأن يزيدنا علماً وفقهاً وتوفيقاً وأجراً إنه هو الكريم الوهاب. هذا الحديث العظيم الذي سألت عنه، رواه الإمام البخاري في صحيحه، وهو من الأحاديث التي تُبيّن حكمة التشريع الإسلامي في باب الصدقات الجارية والأوقاف، والتي فيها خير عظيم للأمة.

---

أولاً. شرح مفردات الحديث:

● أصاب عمر أرضاً بخيبر: أي ملكها عن طريق الفيء أو الغنيمة بعد فتح خيبر.
● يستأمره فيها: يطلب منه المشورة والأمر فيها.
● أنفس عندي منه: أي أغلى وأعز مالٍ عنده.
● حبست أصلها: أي أوقفت الأرض وجعلت ريعها للصدقة، وهو معنى الوقف.
● لا يباع أصلها...: شروط الوقف التي تمنع بيعه أو التصرف فيه.
● غير متمول فيه: أي لا يقصد به التملك والادخار للذات.
● غير متأثل مالا: أي لا يجمع منه مالاً لذاته.

---

ثانياً. شرح الحديث:

يحكي الحديث قصة عظيمة من قصص الصحابة الكرام، حيث جاء سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى النبي صلى الله عليه وسلم يستشيره في أفضل طريقة للتخلص من مالٍ غالٍ على نفسه، وهو أرض أصابها في خيبر.
فأمره النبي صلى الله عليه وسلم بالخيار الأفضل، وهو أن يحبس الأصل (يوقفه) ويتصدق بمنفعته (ريعه). ففعل سيدنا عمر رضي الله عنه ذلك، واشترط أن لا يباع ولا يوهب ولا يورث، وجعل ريعه للفقراء والأقارب والعتق والجهاد في سبيل الله وابن السبيل والضيف.
وأجاز النبي صلى الله عليه وسلم للوالي عليها (القيم) أن يأكل منها بالمعروف أو يطعم صديقاً، بشرط ألا يكون ذلك للتمول والادخار.

---

ثالثاً. الدروس المستفادة:

1- فضل الصدقة الجارية: الحديث أصل في مشروعية الوقف، وهو من أفضل الصدقات لاستمرار نفعها.
2- استشارة أهل العلم: فعل سيدنا عمر في سؤال النبي صلى الله عليه وسلم يعلمنا أهمية استشارة العلماء في أمور الدين.
3- التخلص من حب الدنيا: سيدنا عمر كان يريد التخلص من مالٍ أحبه، فدل على مجاهدة النفس.
4- التيسير على القيم: جواز أكل الوالي من الوقف بالمعروف، مما يشجع على القيام عليه.
5- شمولية البر: تعدد مصارف صدقة عمر تشمل كل وجوه الخير.

---

رابعاً. معلومات إضافية:

- هذا الحديث من أدلة مشروعية الوقف في الإسلام، وهو من أفضل القربات.
- الوقف من الخصائص العظيمة للإسلام، حيث يحول الملكية الفردية إلى منفعة عامة مستمرة.
- اشتراط عمر "لا يباع ولا يوهب" هو تأكيد على دوام الوقف وعدم انقطاعه.
- قول ابن سيرين "غير متأثل مالا" تفسير لقوله "غير متمول"، أي لا يجمع منه ثروة شخصية.
أسأل الله أن يجعلنا من المتصدقين والمحسنين، وأن ينفعنا بالعلم النافع والعمل الصالح. وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.