إن الله قد أعطى كل ذي حق حقه، فلا وصية لوارث

شرح الحديث:

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد، فهذا شرح للحديث النبوي الشريف الذي رواه أبو أمامة رضي الله عنه:
الحديث:
عن أبي أمامة قال: سمعت رسول اللَّه ﷺ يقول في خطبته عام حجة الوداع: «إن اللَّه قد أعطى كل ذي حق حقه، فلا وصية لوارث».

---

1. شرح المفردات:

● حجة الوداع: هي الحجة التي حجها النبي صلى الله عليه وسلم في السنة العاشرة من الهجرة، وكانت آخر حجة له، وسميت بذلك لأنه ودع الناس فيها.
● أعطى كل ذي حق حقه: أي أن الله تعالى قد بين في شرعه حقوق كل إنسان، وحدد لكل وارث نصيبه المفروض في الميراث.
● فلا وصية لوارث: أي لا يجوز للشخص أن يوصي بشيء من ماله لأحد من ورثته الذين سيرثون منه بنسبة محددة في الشريعة.

---

2. شرح الحديث:

هذا الحديث جزء من الخطبة الجامعة التي ألقاها النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع، والتي بين فيها كثيرًا من الأحكام والوصايا المهمة.
● معنى "إن الله قد أعطى كل ذي حق حقه":
يشير هذا إلى أن الله تعالى قد أنزل في كتابه العزيز، وعلى لسان نبيه صلى الله عليه وسلم، تفصيلاً كاملاً لحقوق العباد، ومن ذلك حقوق الورثة في الميراث. فالله سبحانه قد حدد لكل وارث نصيبه المفروض في كتابه، فلا يحتاج الأمر إلى زيادة أو نقصان.
● معنى "فلا وصية لوارث":
هذا نهي صريح عن أن يوصي الشخص لأحد من ورثته بشيء من ماله، لأن الله تعالى قد أعطى كل وارث حقه بنصيب محدد في آيات الميراث (سورة النساء). فإذا أوصى شخص لوارث من ورثته، فإن ذلك يعتبر زيادة في حقه على حساب بقية الورثة، وهذا مخالف للعدل الذي شرعه الله.

---

3. الدروس المستفادة منه:

1- إكمال الدين وتمام العدل: الحديث يدل على أن الشريعة الإسلامية قد كملت، وبيَّنت جميع الحقوق، ومنها حقوق الورثة، فلا يجوز لأحد أن يزيد أو ينقص فيها.
2- تحريم الوصية للوارث: هذا النهي يحقق العدالة بين الورثة، ويمنع التحايل على أنصبة الميراث الشرعية. فلو جازت الوصية للوارث، لاستطاع بعض الناس أن يفضلوا بعض الورثة على الآخرين، مما يسبب الظلم والخصومات.
3- الوصية لغير الوارث جائزة: الحديث لا يمنع الوصية مطلقًا، بل يمنعها للوارث فقط. فأما الوصية لغير الوارث (كالأقارب غير الوارثين، أو الفقراء، أو في وجوه البر) فهي جائزة ومستحبة، بل قد تكون واجبة إذا كان على الإنسان ديون أو حقوق للعباد لم يتبينها في حياته.
4- الحكمة من النهي: الحكمة هي صيانة حقوق الضعفاء من الورثة (كالصغار والنساء)، ومنع الظلم والجور في توزيع التركة.

---

4. معلومات إضافية مفيدة:

- هذا الحديث أصل من أصول باب الوصايا والميراث في الفقه الإسلامي، وقد أجمع العلماء على العمل به.
- إذا أوصى شخص لوارث، فإن هذه الوصية لا تنفذ، إلا إذا أجازها بقية الورثة بعد موت الموصي.
- الاستثناء: إذا كان الوارث فقيرًا واحتاج إلى المساعدة، فيجوز أن يعطى من الصدقة أو الهبة في حياة الشخص، لا عن طريق الوصية.
- من روى هذا الحديث: رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه وأحمد، وصححه الألباني.

ختامًا: هذا الحديث يظهر عدل الشريعة الإسلامية وشمولها، ويحفظ حقوق الضعفاء، ويمنع الظلم والتحايل في توزيع الثروات بعد الموت.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.