ائتوني بالكتف والدواة أكتب لكم كتابا لن تضلوا بعده أبدا

شرح الحديث:

بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد، فهذا الحديث العظيم الذي رواه الإمام البخاري في صحيحه عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، يحمل في طياته موقفًا مؤثرًا وعبرًا عظيمة. وإليك الشرح الوافي له:

---

1. شرح المفردات:

● يوم الخميس: اليوم الذي وقعت فيه الحادثة قبل وفاة النبي صلى الله عليه وسلم.
● تسيل دموعه: بكاء ابن عباس الشديد عند تذكر هذا الموقف.
● نظام اللؤلؤ: مثل حبات اللؤلؤ المنتظمة في السلسلة،形容 دموعه الغزيرة والجميلة.
● الكتف: عظم الكتف أو لوح من الخشب يُكتب عليه.
● الدواة: المحبرة التي يوضع فيها الحبر.
● يهجر: يهذُر أو يتكلم بكلام غير واضح بسبب المرض (اتهموه بذلك خطأً).

---

2. شرح الحديث:

قبل وفاة النبي صلى الله عليه وسلم بيوم الخميس، طلب من الصحابة أن يأتوه بأدوات الكتابة (لوح ودواة) ليكتب لهم كتابًا يضمن لهم الهداية والاستقامة ولا يضلوا بعده أبدًا. هذا الكتاب كان سيكون وصية عظيمة أو توجيهاً يمنع الأمة من الضلال.
لكن بعض الحاضرين (ومنهم عمر بن الخطاب رضي الله عنه) قالوا: "إن رسول الله يهجر" أي يتكلم بكلام غير منتظم بسبب شدة المرض، ورأوا أن القرآن كافٍ، أو خشوا أن يكتب شيئاً قد يُساء فهمه. فاختلف الصحابة، ومنعوا إحضار الأدوات، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «قوموا عني» أي اتركوه، ولم يكتب الكتاب.

---

3. الدروس المستفادة:

● عظمة النبي صلى الله عليه وسلم وحرصه على أمته: حتى في لحظاته الأخيرة كان همه هداية أمته وبقاءها على الصراط المستقيم.
● خطورة الاختلاف في الأمور المهمة: اختلاف الصحابة في تلك اللحظة الحساسة أدى إلى حرمان الأمة من كتاب عظيم كان سيكتبه النبي.
● التأدب مع النبي صلى الله عليه وسلم: قول "يهجر" хотя كان من بعض الصحابة بدافع الحرص، إلا أنه يُعتبر خطأ في حقه صلى الله عليه وسلم، لأنه معصوم من الهذَر.
● البكاء على فرص الخير الضائعة: بكاء ابن عباس يدل على تأثره الشديد بفوات هذا الخير العظيم.
● العبرة في طاعة النبي صلى الله عليه وسلم دون تردد: كان الواجب عليهم أن ينفذوا طلبه دون مناقشة.

---

4. معلومات إضافية:

- هذا الحديث من الأحاديث التي تُظهر حرص النبي على الأمة، وتُبيّن أن الضلال الذي حدث بعد ذلك كان بسبب تقصير من الناس، لا تقصير من الرسول صلى الله عليه وسلم.
- العلماء اختلفوا في ماهية الكتاب الذي أراد كتابته: فقيل: هو كتاب في الخلافة والقيادة، وقيل: وصية عامة بالتمسك بالقرآن والسنة، وقيل: تفصيل في أمور الدين.
- الموقف يدل على بشرية الصحابة وأنهم قد يخطئون، ولكنهم مجتهدون، وخطؤهم مغفور لهم بما قدموه للإسلام.
اللهم ارزقنا حب نبيك واتباع سنته، واجعلنا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه. وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.