إن الله جعل لكل ذي حق حقه، ألا لا وصية لوارث

شرح الحديث:

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
حياكم الله و بياكم، وأسأل الله أن يوفقنا وإياكم للعلم النافع والعمل الصالح، ولفهم كتابه وسنة نبيه ،وأن يعلمنا ما ينفعنا وينفعنا بما علمنا، وأن يزيدنا علماً وفقهاً وتوفيقاً وأجراً إنه هو الكريم الوهاب.
هذا الحديث العظيم رواه الإمام الترمذي في سننه، وقال عنه: "حسن صحيح"، وهو من رواية أنس بن مالك رضي الله عنه، الخادم الأمين لرسول الله صلى الله عليه وسلم.

---

أولاً. شرح المفردات:

● "إني لَتَحْتَ ناقة رسول الله ﷺ": أي كنت تحت ناقة النبي صلى الله عليه وسلم، وهو راكبها، فيكون أنس قريباً منها.
● "يَسِيلُ عَلَيَّ لُعَابُهَا": اللعاب هو الريق، وكان يسيل على أنس رضي الله عنه، مما يدل على قربه من النبي صلى الله عليه وسلم وتواضعهما معاً.
● "لِكُلِّ ذِي حَقٍّ حَقُّهُ": أي أن الله تعالى قد حدد وأعطى كل صاحب حق حقه الذي يستحقه.
● "أَلَا لَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ": كلمة (ألا) للتنبيه، والمعنى: انتبهوا واعلموا أنه لا وصية لوارث. أي لا يجوز للشخص أن يوصي بشيء لأحد من ورثته الذين سيرثون منه بنسبة محددة في الشريعة.

---

ثانياً. شرح الحديث:

يصف أنس بن مالك رضي الله عنه مشهداً من تواضع النبي صلى الله عليه وسلم وقربه من أصحابه، حيث كان يخدمه ويسير معه، حتى أن لعاب ناقته كان يسيل عليه.
وفي هذا الموقف، يسمع النبي صلى الله عليه وسلم يعلن حكماً عظيماً من أحكام الشريعة الإسلامية، وهو أن الله تعالى قد أنزل تشريعاً عادلاً كاملاً، قسم فيه المواريث وأعطى كل ذي حق حقه. فلم يترك تعالى أمر الميراث للناس يختصمون فيه، بل بينه وأعطى كل فرد حقه بدقة وعدل.
ثم ينهى النبي صلى الله عليه وسلم عن وصية للوارث. والسبب في هذا النهي أن الله تعالى قد قدّر للوارثين أنصبة محددة في كتابه، فإذا أوصى الشخص لوارث من ورثته، فهذا زيادة في حقه على حساب بقية الورثة، وهذا تعدٍّ على تقسيم الله تعالى وظلم للورثة الآخرين. فالشريعة قد كفت المؤمنين شر التنازع والخصام في الميراث بتقسيمها العادل.

---

ثالثاً. الدروس المستفادة والعبر:

1- عدالة التشريع الإلهي: فالله تعالى هو الأعلم بمصالح عباده، وقد شرع لهم ما فيه صلاح دينهم ودنياهم.
2- تحريم الوصية للوارث: وهذا من محاسن الإسلام، حيث يمنع الظلم والجور بين الورثة، ويقطع دابر الخصومات والمنازعات.
3- الحكمة من النهي: وهي المحافظة على حقوق الورثة التي حددها الله تعالى، وعدم التلاعب بها عن طريق الوصايا.
4- تواضع النبي صلى الله عليه وسلم: حيث كان يركب الناقة وخادمه أنس رضي الله عنه يمشي إلى جانبه، وهذا من تواضعه صلى الله عليه وسلم وحسن صحبته لأصحابه.
5- حرص الصحابة على العلم: فأنس رضي الله عنه كان يحفظ كل كلمة يقولها النبي صلى الله عليه وسلم حتى في مثل هذه اللحظات العابرة.

---

رابعاً. معلومات إضافية:

- اتفق الفقهاء على أن الوصية للوارث لا تجوز بناء على هذا الحديث وغيره من الأدلة.
- إذا أوصى شخص لوارث، فإن وصيته تبطل ولا تنفذ، إلا إذا أجازها بقية الورثة بعد موت الموصي.
- الاستثناء من ذلك: إذا كانت الوصية لوارث وكانت ضمن الثلث ولم يكن فيها ضرر على الورثة الآخرين، وأجازها الورقة، فإن بعض العلماء يرون صحتها بإجازتهم.
أسأل الله تعالى أن يفقهنا في ديننا، وأن يعلمنا ما ينفعنا وينفعنا بما علمنا.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.