متى أوصى النبي صلى الله عليه وسلم إلى علي؟

شرح الحديث:

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد،
فحديث السيدة عائشة رضي الله عنها هذا من الأحاديث الصحيحة الثابتة في الصحيحين (البخاري ومسلم)، وهو ردٌّ قاطعٌ على من ادَّعى أن النبي صلى الله عليه وسلم أوصى بالخلافة من بعده لعليٍّ رضي الله عنه مباشرة. وشرحه على النحو التالي:

---

1. شرح المفردات:

● ذكروا عند عائشة: أي تحدث قوم في مجلسها.
● أن عليًّا كان وصيًّا: أي زعموا أن النبي صلى الله عليه وسلم جعله الوصي والخليفة من بعده.
● متى أوصى إليه؟: استفهام إنكار، أي في أي وقت حصلت هذه الوصية؟!
● مسندته إلى صدري (أو حجري): أي كنت أُسند ظهره صلى الله عليه وسلم إلى صدرها أو حجرها في لحظاته الأخيرة.
● الطست: إناء يُغسل فيه، مثل الطبق أو القصعة.
● انخنث في حجري: أي مال ومات وسقط في حجرها. والخنث هو الميلان والانكسار.

---

2. شرح الحديث:

تخبرنا أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها عن موقف حصل في بيتها، حيث ذكر بعض الناس في مجلسها أن النبي صلى الله عليه وسلم قد أوصى بالخلافة لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه. فأنكرت ذلك إنكارًا شديدًا واستبعدته استبعادًا تامًا.
واستدلت على استحالة ذلك بحادثة وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، والتي كانت في حجرتها وبين يديها. فقد كانت رضي الله عنها هي من كان يعتني به في مرض موته، وكان رأسه الشريف مسندًا إلى صدرها أو حجرها. وفي تلك اللحظات الأخيرة، طلب صلى الله عليه وسلم إناءً (طست) ليتوضأ أو يغترف منه الماء، فسقط من شدة المرض والضعف بين يديها، ولم تشعر بموته إلا بعد أن سقط وانخنث (مال ومات) في حجرها.
وتسأل استنكارًا: إذا كان الأمر بهذه الصورة، فأي وقت بقي ليوصي فيه لأحد؟! فلم يفارقها حتى مات، ولم يحدث أي حديث خاص عن الخلافة أو الوصية في تلك اللحظات، مما ينفي تمامًا ما ادعاه أولئك القوم.

---

3. الدروس المستفادة منه:

● نفي فكرة الوصية المزعومة: الحديث دليل صريح وقوي من أم المؤمنين، وهي من أعلم الناس ببيت النبي صلى الله عليه وسلم وأسراره، على بطلان ما يشيعه بعض الفرق من أن النبي صلى الله عليه وسلم عيَّن عليًّا بالخلافة من بعده نصًّا ووصية.
● بيان مكانة السيدة عائشة: فهي زوج النبي صلى الله عليه وسلم وأقرب الناس إليه في مرض موته، وهي العالمة بأحواله الأخيرة.
● الحجية في رواية المشاهد: فالسيدة عائشة تخبر بما شاهدته وعايشته، وهو من أقوى أنواع الرواية.
● الدفاع عن العقيدة والسنة: يظهر من موقفها رضي الله عنها حرصها على تصحيح المفاهيم الخاطئة والرد على الشبهات التي تثار حول الدين.

---

4. معلومات إضافية مفيدة:

- هذا الحديث جزء من مجموعة أحاديث تسمى "أحاديث الإنكار على من زعم الوصية"، وهي موجودة في أعلى درجات الصحة.
- موقف السيدة عائشة هذا ليس تقليلاً من شأن علي رضي الله عنه، بل هو دفاع عن الحقيقة التاريخية والعقدية. فعلي رضي الله عنه من كبار الصحابة وأحد الخلفاء الراشدين، ومكانته معلومة ومشهودة، ولكن تثبيت الحق واجب.
- يستدل بهذا الحديث على أن مسألة الخلافة تركت للمشورة والاختيار بين المسلمين (الشورى)، كما حدث في سقيفة بني ساعدة، ولم تُنصَّ لأحد نصًّا.
والله أعلم، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.