الولد للفراش وللعاهر حجر

شرح الحديث:

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
حياكم الله و بياكم، ونسأل الله أن يوفقنا وإياكم للعلم النافع والعمل الصالح، ولفهم كتابه وسنة نبيه ،وأن يعلمنا ما ينفعنا وينفعنا بما علمنا، وأن يزيدنا علماً وفقهاً وتوفيقاً وأجراً إنه هو الكريم الوهاب. هذا حديث عظيم من جوامع كلم النبي صلى الله عليه وسلم، الذي أوتي جوامع الكلم واختصر له الكلام اختصاراً. وهو يتعلق بثلاث قواعد كبرى في الفقه الإسلامي، خاصة في أبواب المواريث والأنساب.

---

أولاً. شرح المفردات:

● «لا تجوز وصية الوارث»: أي لا تصح الوصية للوارث. فالوصية هي التبرع بمال أو منفعة بعد الموت.
● «والولد للفراش»: أي الابن أو البنت يُنسبان لصاحب الفراش، وهو الزوج.
● «وللعاهر حجر»: العاهر هو الزاني، والحجر هنا بمعنى الحرمان والمنع والإبطال. أي أن الزاني محروم من نسب الولد إليه.

---

ثانياً. شرح الحديث:

1- «لا تجوز وصية الوارث»:
● المعنى: يحرم على المسلم أن يوصي لأحد من ورثته الذين سيَرِثون منه بطبيعة الحال بموجب فرائض الله في الميراث. فلو أوصى أب لابنه الذي هو وارث له، فإن هذه الوصية باطلة وغير نافذة.
● الحكمة: شرع الله تعالى تقسيم الميراث تقسيمًا عادلاً محكمًا، فالوصية للوارث زيادة في حقه، وظلم للورثة الآخرين، وتعدٍّ على حدود الله التي رسمها. وهي من وسائل التحايل على تقسيم الميراث. وقد روى الترمذي وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن الله قد أعطى كل ذي حق حقه، فلا وصية لوارث».
2- «والولد للفراش»:
● المعنى: هذه قاعدة عظيمة في إثبات النسب. فالمرأة إذا كانت متزوجة وولدت ولداً، فإن الولد يُنسب إلى زوجها، ويكون ابناً شرعياً له، ولو كان هناك شك في أن الزوج هو من علق به، وذلك لحفظ الأنساب وصيانة الأعراض.
● الحكمة: قاعدة "الولد للفراش" تحمي كيان الأسرة من الانهيار، وتصون أعراض النساء، وتقطع الطريق على الادعاءات الكاذبة والفساد. والفراش هنا هو الزوجية الصحيحة.
3- «وللعاهر حجر»:
● المعنى: هذه القاعدة مكملة للتي قبلها. فإذا حصلت زنا ونتج عنه ولد، فإن هذا الولد لا ينتسب إلى الزاني مطلقاً، بل هو تابع لأمه في النسب والحلال والحرام. والزاني (العاهر) محروم من هذا النسب، وممنوع من إلحاق الولد به.
● الحكمة: فيها زجرٌ عن فعلة الزنى القبيحة، وإبطالٌ لكل حق للزاني في نتاج جريمته، وصيانة للأنساب من الاختلاط. فالنسب في الإسلام قائم على الشرف والشرع، لا على المجون والإثم.

---

ثالثاً. الدروس المستفادة والعبر:

1- العدل في التصرفات المالية: النهي عن الوصية للوارث يدل على وجوب التزام عدل الله في تقسيم الثروة وعدم التحايل على شرعه.
2- صيانة الأنساب وحرمة الأسر: قاعدتا "الولد للفراش" و"للعاهر حجر" تؤكدان على قدسية مؤسسة الأسرة ووجوب حفظ الأنساب من الاختلاط والضياع، مما يحقق الاستقرار الاجتماعي.
3- الزجر عن المعاصي: حرمان الزاني من نسب ولد الزنى هو عقوبة تزيد من جرم هذه الفاحشة وعواقبها، مما يردع عنها.
4- منهجية الإسلام في حل المشكلات: وضع الإسلام قواعد واضحة وحاسمة تمنع النزاعات والادعاءات الكاذبة في قضايا حساسة كالنسب والميراث.

---

رابعاً. معلومات إضافية:

● درجة الحديث: الحديث صحيح، رواه أبو داود والدارقطني وغيرهما، وهو من الأحاديث التي تلقاها الفقهاء بالقبول وعملوا بها.
● المذاهب الفقهية: أجمع العلماء على العمل بهذه القواعد الثلاث، وإن وجد بعض الخلاف في تفصيلاتها次要ية.
● التطبيق المعاصر: هذه القواعد شديدة الأهمية في عصرنا، حيث كثرت الدعوات إلى إباحة الاختلاط ونسب أولاد الزنى، فكانت هذه القواعد حصناً منيعاً للهوية الإسلامية والأخلاقية.
أسأل الله أن يفقهنا في الدين، ويبصرنا بشرعه، ويجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.