يا بني النجار ثامنوني بحائطكم هذا

شرح الحديث:

بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله خاتم النبيين وإمام المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد،
فيسرني أن أقدم لكم شرحًا لهذا الحديث النبيل الذي يرويه الصحابي الجليل أنس بن مالك رضي الله عنه، وهو من الأحاديث التي تحكي قصة تأسيس المسجد النبوي في المدينة المنورة، وهو حدث عظيم في تاريخ الإسلام.

---

نص الحديث:

عن أنس بن مالك قال: لما قدم رسول اللَّه ﷺ المدينة أمر بالمسجد، وقال: «يا بني النجار، ثامنوني بحائطكم هذا». قالوا: لا، واللَّه، لا نطلب ثمنه إلا إلى اللَّه.

---

1. شرح المفردات:

● لما قدم رسول اللَّه ﷺ المدينة: أي عندما وصل النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة المنورة مهاجرًا من مكة.
● أمر بالمسجد: أي أمر ببناء المسجد، وهو المسجد النبوي.
● يا بني النجار: بنو النجار هم قبيلة من الأنصار في المدينة، وكانوا أصحاب الأرض التي اختارها النبي صلى الله عليه وسلم لبناء المسجد.
● ثامنوني: من الثمن، أي اطلبوا مني ثمنًا أو قيمة لهذا الحائط (الأرض).
● بحائطكم هذا: الحائط هنا يعني البستان أو الأرض المزروعة بالنخيل، وكانت ملكًا لبني النجار.
● لا نطلب ثمنه إلا إلى اللَّه: أي نتبرع به لله تعالى ولا نريد مقابله أجرًا دنيويًا.

---

2. شرح الحديث:

عندما هاجر النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، كانت أولى خطواته تأسيس مسجدٍ يكون مركزًا للعبادة والتعليم والتجمع للمسلمين. فاختار أرضًا كانت ملكًا لغلامين يتيمين من بني النجار، وكانت تستخدم كبستان للنخيل. فدعا النبي صلى الله عليه وسلم رؤساء بني النجار وقال لهم: "يا بني النجار، ثامنوني بحائطكم هذا"، أي اطلبوا مني ثمن هذه الأرض لأشتريها منكم.
فأجابوه بكرم ونبل: "لا، والله لا نطلب ثمنه إلا إلى الله"، أي أنهم تبرعوا بالأرض لله تعالى دون طلب أي مقابل مادي، رغبةً في الأجر والثواب من الله عز وجل. وهذا الموقف يعكس إيمانهم العميق وحبهم للنبي صلى الله عليه وسلم ودعمهم للدعوة الإسلامية.

---

3. الدروس المستفادة منه:

● فضل الأنصار وكرمهم: يظهر هذا الحديث مدى كرم الأنصار وتضحيتهم في سبيل الله ونصرة رسوله صلى الله عليه وسلم.
● مشروعية التبرع في سبيل الله: التبرع بالأموال والممتلكات للأعمال الخيرية والدينية من أعظم القربات إلى الله.
● احترام الملكية الخاصة: النبي صلى الله عليه وسلم لم يأخذ الأرض غصبًا، بل عرض شراءها، مما يدل على احترام الإسلام لحقوق الملكية.
● أهمية المساجد في الإسلام: المسجد هو قلب المجتمع الإسلامي، ومنذ البداية أولاه النبي صلى الله عليه وسلم أهمية كبرى.
● التواضع والعدل: النبي صلى الله عليه وسلم لم يستغل مكانته ليأخذ الأرض دون مقابل، بل عرض الدفع، وهذا من تواضعه وعدله.

---

4. معلومات إضافية مفيدة:

- المسجد النبوي بُني في السنة الأولى للهجرة، وكان بسيطًا في بدايته، ثم توسع عبر العصور.
- الأرض التي بُني عليها المسجد كانت تحتوي على قبور للمشركين ونخيل، فتم تنظيفها وتسويتها.
- بنى النبي صلى الله عليه وسلم المسجد بيده الكريمة مع الصحابة، مشاركًا في العمل físicoًا.
- هذا الحديث رواه البخاري في صحيحه، وهو من الأحاديث الصحيحة.
أسأل الله تعالى أن يجعلنا ممن يقتدي برسوله صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام، وأن يعيننا على نشر الخير والعلم النافع. وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.