ما ترك رسول الله عند موته درهما ولا دينارا

شرح الحديث:

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
فهذا حديث عظيم من أحاديث الصفات الخُلُقية للنبي ﷺ، يرويه الصحابي الجليل عمرو بن الحارث -رضي الله عنه- وهو من أصهار النبي ﷺ، حيث كان متزوجًا من أخت أم المؤمنين جويرية بنت الحارث -رضي الله عنها-.

---

أولاً. شرح المفردات:

● ختن رسول الله: أي صهره وزوج أخته.
● ما ترك: لم يخلف وراءه.
● درهماً ولا ديناراً: الدرهم والدينار هما العملتان المتداولتان آنذاك، والمراد أنه لم يخلف نقوداً.
● ولا عبداً ولا أمة: لم يخلف رقيقاً أو خدمًا.
● بغلته البيضاء: البغلة هي ولد الحمار من الفرس، وكانت وسيلة تنقله.
● سلاحه: أدوات الحرب من سيوف ودرع وغيرها.
● أرضاً جعلها صدقة: أرضاً أوقفها لله تعالى يتصدق بغلتها على الفقراء.

---

ثانياً. شرح الحديث:

يخبر الصحابي عمرو بن الحارث أن النبي ﷺ حين انتقل إلى الرفيق الأعلى، لم يترك وراءه ثروة دنيوية من النقود (دراهم أو دنانير)، ولا عبيداً أو إماءً يملكهم، ولا أي متاع دنيوي قيم باستثناء ثلاثة أشياء:
1- بغلته البيضاء: التي كان يركبها في تنقلاته.
2- سلاحه: الذي كان يدافع به عن نفسه والدعوة.
3- أرضاً: قد جعلها وقفاً خيرياً (صدقة) ينفق ريعها على المحتاجين، فلم تكن مملوكة له شخصياً بل لله تعالى.

---

ثالثاً. الدروس المستفادة والعبر:

1- الزهد في الدنيا: الحديث أبلغ دليل على زهد النبي ﷺ وعدم تعلقه بالدنيا رغم أنه كان بإمكانه أن يكون أغنى الناس، لكنه آثر الآخرة.
2- قدوة في القناعة: لم يجمع النبي ﷺ الأموال، بل كان يعيش كأفقر الناس، مما يظهر عظمة رسالته وعدم طلبه لعرض الدنيا.
3- التجرد للدعوة: كان همه ﷺ هو تبليغ الرسالة، فلم تشغله الدنيا عن مهام النبوة.
4- الوقف الخيري: تخصيص أرض للصدقة يدل على اهتمامه بالعمل الخيري المستمر الذي ينفع الناس بعد وفاته.
5- البساطة في العيش: اقتناء الضروريات فقط (دابة للركوب وسلاح للدفع) دون الترف أو الزخرف.

---

رابعاً. معلومات إضافية:

- هذا الحديث رواه البخاري في صحيحه، وهو من الأحاديث التي تدل على صفاء عقيدة النبي ﷺ وعدم ادعاء الملكية لما كان تحت يده.
- كان النبي ﷺ يعيش على الكفاف، وكان ينفق ما يأتيه من أموال في سبيل الله وفوراً، دون ادخار لليوم التالي.
- في هذا رد على المبطلين الذين يدعون أن النبي ﷺ طلب الملك أو الجاه، فلو كان طالباً للدنيا لما مات ولم يخلف إلا هذه الأشياء البسيطة.
فالحمد لله الذي جعل قدوتنا في الزهد والعبادة خير البشر ﷺ، وصلى الله عليه وسلم تسليماً كثيراً.