المرأة يقتلها ولدها جمعًا شهادة

شرح الحديث:

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
حياكم الله و بياكم، ونسأل الله أن يوفقنا وإياكم للعلم النافع والعمل الصالح، ولفهم كتابه وسنة نبيه ،وأن يعلمنا ما ينفعنا وينفعنا بما علمنا، وأن يزيدنا علماً وفقهاً وتوفيقاً وأجراً إنه هو الكريم الوهاب.
هذا حديث عظيم من أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم الذي يبين لنا معنى الشهادة في سبيل الله ويتسع به مفهومها، ليشرع أبواباً من الخير والأجر العظيم لأمته.
### أولاً. تخريج الحديث ومصدره
هذا الحديث رواه الإمام أحمد في مسنده، والإمام مالك في الموطأ، وابن ماجه في سننه، وغيرهم. وهو حديث صحيح بشواهده.
### ثانياً. شرح المفردات
● عَادَ: زار مريضاً يسأل عن حاله ويدعو له.
● عبد الله بن رواحة: هو أحد كبار الصحابة، وشاعر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحد النقباء الاثني عشر في بيعة العقبة، واستشهد في غزوة مؤتة.
● فَمَا تَحَوَّزَ لَهُ عَنْ فِرَاشِهِ: أي لم يتسع له في فراشه أو لم يتحرك ليُوسع له، إما لشدة مرضه أو لتواضعه صلى الله عليه وسلم.
● شُهَدَاءُ: جمع شهيد، وهو من قُتِل في سبيل الله.
● الطَّاعُونُ: مرض وبائي معروف.
● البَطْنُ: يقصد به أمراض البطن كالاستسقاء والقرحة وغيرها.
● الغَرَقُ: الموت بالغرق.
● وَالْمَرْأَةُ يَقْتُلُهَا وَلَدُهَا جَمْعًا: أي المرأة التي تموت بسبب ولادتها أو الحمل.
### ثالثاً. شرح الحديث
يحدثنا الصحابي الجليل عبادة بن الصامت رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم ذهب ليعود (يزور) عبد الله بن رواحة رضي الله عنه وهو مريض. فلما جلس النبي صلى الله عليه وسلم عنده، لم يتحرك ابن رواحة من فراشه ليوسع للنبي، إما لشدة مرضه أو لتواضعه الشديد مع النبي صلى الله عليه وسلم.
وفي هذا الموقف سأل النبي صلى الله عليه وسلم سؤالاً ليعلم أصحابه ويوسع مفهوم الشهادة عندهم، فقال: «مَنْ شُهَدَاءُ أُمَّتِي؟» أي: من الذين يُعتبرون شهداء في أمتي ويُنالون أجرهم؟
فأجابه الصحابة بما هو معروف ومتداول عندهم، وهو أن الشهيد هو من يُقتل في المعركة ضد الكفار دفاعاً عن الإسلام. فقالوا: «قَتْلُ الْمُسْلِمِ شَهَادَةٌ» أي: أن قتل المسلم في الجهاد هو الشهادة.
فأجابهم النبي صلى الله عليه وسلم بأن شهداء أمته أكثر من ذلك بكثير، وأن الذين يُقتلون في المعركة قلة مقارنة بهذه الأصناف الأخرى. ثم عدد صلى الله عليه وسلم خمسة أنواع من الشهداء الذين يموتون على فراشهم ولكنهم ينالون أجر الشهيد:
1- القتل في سبيل الله: وهو الشهادة الأصلية.
2- الطاعون: وهو الوباء الذي ينتشر فيقتل كثيراً من الناس.
3- البطن: وهو الموت بسبب أمراض البطن.
4- الغرق: وهو الموت في الماء.
5- المرأة تموت بسبب ولدها: أي بسبب مضاعفات الحمل أو الولادة.
### رابعاً. الدروس المستفادة والعبر
1- سعة رحمة الله تعالى: الحديث يظهر سعة رحمة الله تعالى بعباده، حيث وسع لهم في أبواب الأجر، فجعل من يموت بسبب هذه الأمور كمن يقتل في سبيل الله في نيل الأجر والثواب، وإن اختلفت الدرجات.
2- تكريم المرأة المسلمة: إدراج المرأة التي تموت بسبب ولادتها في قائمة الشهداء هو تكريم عظيم للمرأة ودورها العظيم في بناء الأسرة والمجتمع، وتخفيف لما تتحمله من آلام ومشاق.
3- الصبر على الأمراض والابتلاءات: الحديث يشجع المسلم على الصبر عندما يصيبه مرض أو بلاء، ويبشر بأن صبره واحتسابه سيكتب له أجر الشهادة.
4- تفضيل الشهادة في سبيل الله: قول النبي صلى الله عليه وسلم «إِنَّ شُهَدَاءَ أُمَّتِي إِذًا لَقَلِيلٌ» يشير إلى أن أعلى درجات الشهادة وأفضلها هي القتل في المعركة، فهي التي يسعى إليها المجاهد، أما هذه الأنواع فهي من فضل الله تعالى على من لم يتيسر له ذلك.
5- الاحتساب عند الموت: يستحب للمسلم أن يحتسب الأجر عند الإصابة بأي من هذه الابتلاءات، ويصبر عليها راجياً ثواب الله تعالى.

---

خامساً:

معلومات إضافية
- أجمع العلماء على أن هؤلاء يُطلق عليهم "شهداء الآخرة" أي أن لهم أجر الشهيد في الآخرة، ولكنهم يُغسلون ويُكفنون ويُصلى عليهم، بخلاف "شهيد المعركة" الذي لا يُغسل ولا يُصلى عليه.
- هناك أحاديث أخرى تزيد في أنواع الشهداء، مثل: «الشَّهيدُ سَبعةٌ سوى القتل في سبيل الله: المطعون شهيد، والغريق شهيد، وصاحب ذات الجنب شهيد، والمبطون شهيد، والحريق شهيد، والذي يموت تحت الهدم شهيد، والمرأة تموت بجمع شهيد» (رواه أبو داود والنسائي، وصححه الألباني).
نسأل الله تعالى أن يتوفانا على الإيمان والتقوى، وأن يرزقنا حسن الخاتمة.
والله تعالى أعلم.