من طال عمره وحسن عمله

شرح الحديث:

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
حياكم الله و بياكم، وأسأل الله أن يوفقنا وإياكم للعلم النافع والعمل الصالح، ولفهم كتابه وسنة نبيه ،وأن يعلمنا ما ينفعنا وينفعنا بما علمنا، وأن يزيدنا علماً وفقهاً وتوفيقاً وأجراً إنه هو الكريم الوهاب.
هذا حديث عظيم من جوامع كلم النبي صلى الله عليه وسلم، يضع ميزاناً دقيقاً للحكم على قيمة حياة الإنسان وخيريتها أو شرها. وها هو الشرح المفصل له على النحو التالي:
### أولاً. تخريج الحديث
هذا الحديث رواه الإمام أحمد في مسنده، والترمذي في سننه، وقال: "هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ"، وصححه الألباني وغيرهم من علماء الحديث.
### ثانياً. شرح المفردات
● خير: الأفضل والأكمل والأقرب إلى رضا الله تعالى.
● شر: الأسوأ والأبعد عن رضا الله،المستوجب للعذاب.
● طال عمره: امتد به العمر وكبرت سنه.
● حسن عمله: صلح عمله واتصف بالاستقامة والإخلاص واتباع السنة.
● ساء عمله: فسد عمله بالمعاصي والبدع والبعد عن طاعة الله.
### ثالثاً. شرح الحديث
يجيب النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث على سؤالٍ محوريٍّ يتعلق بمعيار التقييم الحقيقي لحياة الإنسان.
1- معيار الخيرية: "من طال عمره وحسن عمله"
- هنا يربط النبي صلى الله عليه وسلم بين عنصرين أساسيين:
● طول العمر: هو نعمة عظيمة من نعم الله، وهو فرصةٌ ثمينةٌ لا تُعوَّض لزيادة الحسنات، وتكفير السيئات، ورفعة الدرجات. فهو وسيلة وليس غاية.
● حسن العمل: هو الغاية والهدف الذي من أجله مُنحت نعمة العمر. والمقصود بحسن العمل هو أن يكون العمل خالصاً لله تعالى، صواباً على سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويكون كثيراً ومستمراً.
- فإذا اجتمع طول العمر مع حسن العمل، كان ذلك أفضل الأعمار على الإطلاق، لأن صاحبه أمضى وقته كله في طاعة الله، فكل يوم يمر يزيده من الله قرباً ودرجة. هذا هو الإنسان الرابح حقاً، الذي استثمر وقته أفضل استثمار.
2- معيار الشر: "من طال عمره وساء عمله"
- هذا هو النقيض التام للصورة الأولى. هنا أيضاً يجتمع العنصران:
● طول العمر: نفس النعمة ولكنها تتحول إلى نقمة.
● سوء العمل: بأن يكثر من المعاصي والآثام، أو يبتدع في الدين، أو يضيع وقته في ما لا يفيد.
- فصاحب هذه الحياة هو الأخسرون، لأنه مُنح فرصةً عظيمةً (طول العمر) ليكتسب فيها الخير، فانقلب بها شراً عليه، فكل يوم يمر يزيده من الله بعداً وغضباً، ويراكم عليه السيئات والإثم. وهو شر الناس لأن نعمة الله عليه أصبحت حجةً عليه، ووسيلةً لعذابه.
### رابعاً. الدروس المستفادة والفَوائد
1- العمر نعمة ورأس مال الإنسان: فالعمر هو رأس مال المسلم الحقيقي في هذه الدنيا، الذي يتاجر به مع الله. والذكي من يحسن استغلاله قبل فوات الأوان.
2- لا يُفرح بمجرد طول العمر: لا ينبغي للعبد أن يفرح بمجرد بلوغه سنين طويلة، بل الفرح الحقيقي يكون بطول العمر مع صلاح العمل. ولهذا كان السلف الصالح يدعون الله أن يعينهم على شكر نعمة العمر.
3- الحث على الاستغفار والتوبة: الحديث يحث من أساء في جزء من عمره أن يعود إلى ربه ويستغفر ويتوب، ويحسن فيما تبقى من عمره، فيكتب له حسن عمله كله. فالتوبة تجب ما قبلها.
4- التوجيه إلى أهمية العمل الصالح: الغاية من الحياة هي عبادة الله وحده، فليست الحياة لدغدغة المشاعر أو جمع المال فحسب، بل العبرة بالعمل الصالح الخالص.
5- التحذير من المعاصي والآثام: خصوصا أن المعصية مع طول العمر تزيد صاحبها إثماً وبعداً عن الله، فليحذر العبد من ذلك.
6- الدعاء بأن يحسن الله الخاتمة: من أعظم ما يستفاد من الحديث الدعاء بأن يوفقنا الله لحسن العمل حتى الممات، وأن يتوفانا وهو راض عنا.

---

خامساً:

معلومات إضافية
- هذا الحديث يرد على من يظن أن الموت في سن صغيرة شر محض، أو أن طول العمر هو الخير المطلق. بل الأمر مربوطٌ بنوع العمل وخاتمته.
- من الأدعية المأثورة في هذا المعنى: «اللَّهُمَّ أَعِنِّي عَلَى ذِكْرِكَ، وَشُكْرِكَ، وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ»، و«اللَّهُمَّ اجْعَلْ خَيْرَ عُمُرِي آخِرَهُ، وَخَيْرَ عَمَلِي خَوَاتِمَهُ، وَخَيْرَ أَيَّامِي يَوْمَ أَلْقَاكَ فِيهِ».
أسأل الله تعالى أن ي grantنا أعماراً طويلة في طاعته، وأن يحسن أعمالنا ويجعل خاتمتنا حسنة، وأن لا يجعلنا من الذين طال عمرهم وساء عملهم.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.