حديث: إذا كانت فتنة فاجلس في بيتك حتى تأتيك يد خاطئة أو يعافيك الله

📚 كتب الحديث | 🔍 صحة حديث | 📖 الأحاديث الصحيحة

باب النهي عن السعي في الفتنة

عن أبي بردة قال: مررت بالربذة، فإذا فسطاط، فقلت: لمن هذا؟ فقيل: لمحمد بن مسلمة، فاستأذنت عليه، فدخلت عليه، فقلت: رحمك اللَّه، إنك من هذا الأمر بمكان، فلو خرجت إلى الناس، فأمرت ونهيت فقال: إن رسول اللَّه ﷺ قال: «إنه ستكون فتنة وفرقة واختلاف، فإذا كان ذلك، فأت بسيفك أحُدًا، فاضرب به عُرْضَه، واكسِرْ نَبْلَك، واقْطع وَتَرَك، واجلس في بيتك»، فقد كان ذلك.
وقال يزيد مرة: «فاضرب به حتى تقطعه، ثم اجلس في بيتك حتى تأتيك يدٌ خاطئة، أو يُعافيك اللَّه عز وجل»، فقد كان ما قال رسول اللَّه ﷺ، وفعلتُ ما أمرني به، ثم استنزل سيفًا كان معلقًا بعمود الفُسطاط فاخْترطَه، فإذا سيف من خشب فقال: قد فعلتُ ما أمرني به رسول اللَّه ﷺ، واتخذت هذا، أرهب به الناس.

حسن: رواه أحمد (١٦٠٢٩) عن يزيد بن هارون، أخبرنا حماد بن سلمة، عن علي بن زيد، عن أبي بردة، فذكره.

عن أبي بردة قال: مررت بالربذة، فإذا فسطاط، فقلت: لمن هذا؟ فقيل: لمحمد بن مسلمة، فاستأذنت عليه، فدخلت عليه، فقلت: رحمك اللَّه، إنك من هذا الأمر بمكان، فلو خرجت إلى الناس، فأمرت ونهيت فقال: إن رسول اللَّه ﷺ قال: «إنه ستكون فتنة وفرقة واختلاف، فإذا كان ذلك، فأت بسيفك أحُدًا، فاضرب به عُرْضَه، واكسِرْ نَبْلَك، واقْطع وَتَرَك، واجلس في بيتك»، فقد كان ذلك.
وقال يزيد مرة: «فاضرب به حتى تقطعه، ثم اجلس في بيتك حتى تأتيك يدٌ خاطئة، أو يُعافيك اللَّه ﷿»، فقد كان ما قال رسول اللَّه ﷺ، وفعلتُ ما أمرني به، ثم استنزل سيفًا كان معلقًا بعمود الفُسطاط فاخْترطَه، فإذا سيف من خشب فقال: قد فعلتُ ما أمرني به رسول اللَّه ﷺ، واتخذت هذا، أرهب به الناس.

شرح الحديث:

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
حياكم الله و بياكم، وأسأل الله أن يوفقنا جميعاً لفهم سنة نبيه ﷺ والعمل بها.
هذا الحديث العظيم رواه الإمام أحمد في مسنده، وأبو داود في سننه، وغيرهما، وهو حديث صحيح. وهو يحمل توجيهاً نبوياً حكيماً لكيفية التعامل مع زمن الفتن والاضطرابات التي تزل فيها الأقدام، وتضطرب فيها السبل.

أولاً. شرح المفردات:


● الرَّبْذَة: موضع قرب المدينة المنورة.
● فُسْطَاط: خيمة كبيرة منصوبة.
● عُرْضَه: أي جانب السيف (الجزء العريض غير الحاد)، والمقصود اضربه بحيث لا يجرح أو يقتل.
● اِكْسِر نَبْلَك: النبل هي السهام، فتكسرها حتى لا تستخدم في القتال.
● اِقْطَع وَتَرَك: الوتر هو خيط القوس الذي يرمى به السهم، فتقطعه لتبطل فاعلية القوس.
● يَدٌ خَاطِئَة: أي قاتلٌ يقتلك خطأً دون قصد.
● اخْتَرَطَه: أخرجه من غمده.


ثانياً. شرح الحديث:


يحدثنا الصحابي الجليل أبو بردة أنه مر بالربذة فرأى خيمة، فسأل عنها فقيل له إنها لمحمد بن مسلمة الأنصاري رضي الله عنه، وهو من كبار الصحابة وأحد النقباء في بيعة العقبة، وشهد بدراً والمشاهد كلها مع رسول الله ﷺ.
دخل عليه أبو بردة ونصحه – بحكم مكانته وقدمه في الإسلام – أن يخرج إلى الناس ليعظهم ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر في زمن الاختلاف والفتنة الذي يعيشونه (والمقصود هنا الفتنة الكبرى التي وقعت بين الصحابة بعد مقتل عثمان بن عفان رضي الله عنه).
فأجابه محمد بن مسلمة بأن رسول الله ﷺ قد سبق وأنبأهم بهذا اليوم، وأمرهم بتوجيه محكم وغاية في الحكمة، فقال: «إنه ستكون فتنة وفرقة واختلاف».
ثم جاء الأمر النبوي الحاسم بالتعامل مع هذه الفتنة، وهو على قسمين:
1- التخلي عن السلاح واعتزال القتال: وذلك من خلال:
● «فاضرب به عُرْضَه»: أي اضرب بسيفك على صخرة أو شيء صلب حتى ينكسر أو ينثني من غير حدته، فلا يصلح للقتال. وفي رواية: «حتى تقطعه» للتأكيد على إبطاله تماماً.
● «واكسر نَبْلَك»: تكسر سهامك.
● «واقطع وَتَرَك»: تقطع وتر قوسك.
فهذه الأوامر كلها تهدف إلى نزع السلاح من يده جسدياً، ليمنع نفسه من الدخول في القتال الذي لا يدرى فيه الحق من الباطل.
2- اللجوء إلى البيت واعتزال الفتنة: «واجلس في بيتك». وهذا هو المقصد الأكبر، وهو اعتزال مواقع الفتنة وعدم الخوض فيها، والحفاظ على النفس والدين.
ثم بين محمد بن مسلمة أن النبي ﷺ أخبره بمصيره إن فعل ذلك، فقال: «حتى تأتيك يد خاطئة أو يعافيك الله»، أي إما أن تموت مقتولاً خطأً (وهو أمر خارج عن إرادتك) أو يموت الله بك موتة طبيعية. وهذا ما حدث، فقد عاش حتى مات في بيته في زمن معاوية رضي الله عنه.
وأراه محمد بن مسلمة سيفاً من خشب كان معلقاً في خيمته، وقال: لقد فعلت ما أمرني به رسول الله ﷺ (أي كسرت سيفي الحقيقي)، واتخذت هذا السيف الخشبي لأرهب به من قد يؤذيني أو يعتدي علي، مع بقائي في بيتي معتزلاً القتال.


ثالثاً. الدروس المستفادة والعبر:


1- حكمة النبي ﷺ وبُعد نظره: فقد أخبر ﷺ عن أمور غيبية ستقع، ووضع للحلول قبل وقوعها، مما يزيدنا يقيناً بنبوته.
2- خطورة الفتنة وعظم شأنها: حيث أمر من وقعت فيه أو خشي على نفسه منها أن يعتزل ويلزم بيته، ويبطل سلاحه، حفظاً لدينه وعقيدته.
3- وجوب اعتزال الفتن وعدم الخوض فيها: هذا هو الدرس الأكبر. فإذا اشتدت الفتن واختلط الحق بالباطل، ولم يعد الإنسان يميز المحق من المبطل، أو خاف على نفسه الهوى أو الضلال، فالأولى والأسلم له أن يعتزل، فهذا من أعظم أسباب السلامة.
4- الفهم العميق للصحابة لأمر النبي ﷺ: فقد فهم محمد بن مسلمة أن الأمر النبوي ليس تشجيعاً على الجبن أو التقاعس، بل هو تشريع حكيم للحفاظ على دماء المسلمين ودينهم عندما تختلط الأمور. فلم يخرج مع أي طرف، وحفظ نفسه ودينه.
5- التفريق بين الجهاد في سبيل الله والقتال في الفتنة: الجهاد ذروة سنام الإسلام وهو مأجور فيه المجاهد، أما القتال في الفتنة فليس كذلك، وقد يؤدي إلى إثم عظيم إذا قتل المسلم أخاه المسلم.
6- جواز اتخاذ أسباب الردع دون قصد القتال: كما فعل محمد بن مسلمة عندما اتخذ سيفاً خشبياً ليرهب به المعتدين، مع علمه أنه لا يصلح للقتال، فجمع بين امتثال الأمر النبوي واتقاء شر المعتدين.


رابعاً. معلومات إضافية:


- هذا الحديث من أصول التعامل مع الفتن، ويستدل به العلماء على وجوب اعتزال
📝 تنبيه هام:
نرحب بتصويباتكم! إذا وجدت أي خطأ في نص الحديث أو السند أو الشرح، فيرجى إبلاغنا عبر صفحة الاتصال:
"مَنْ سَنَّ فِي الإِسْلَامِ سُنَّةً حَسَنَةً فَلَهُ أَجْرُهَا وَأَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا"

تخريج الحديث

رواه أحمد (١٦٠٢٩) عن يزيد بن هارون، أخبرنا حماد بن سلمة، عن علي بن زيد، عن أبي بردة، فذكره.
ورواه ابن ماجه (١٦٠٢٩) عن أبي بكر بن أبي شيبة، حدّثنا يزيد بن هارون، عن حماد بن سلمة، عن ثابت أو علي بن زيد بن جدعان -شك أبو بكر- عن أبي بردة، فذكره مختصرًا.
قال الأعظمي: الحديث حديث علي بن زيد بن جدعان، وذكر ثابت في هذا الإسناد خطأ، فقد رواه أحمد عن يزيد بن هارون به، وسماه: علي بن زيد بدون شك.
وكذلك رواه عفان بن مسلم ومؤمل بن إسماعيل كلاهما عن حماد بن سلمة، عن علي بن زيد به دون شك.
وعلي بن زيد بن جدعان ضعيف.
ولكن روي هذا الحديث بإسناد آخر وهو ما رواه أحمد (١٧٩٧٩) عن زيد بن الحباب قال: أخبرني سهل بن أبي الصلت قال: سمعت الحسن يقول: إن عليا بعث إلى محمد بن مسلمة فجيء به، فقال: ما خَلَّفك عن هذا الأمر، قال: دفع إلي ابن عمك يعني النبي ﷺ سيفا، فقال: «قاتل به ما قوتل العدو، فإذا رأيت الناس يقتل بعضهم بعضا، فاعمد به إلى صخرة، فاضربه بها، ثم الزم بيتك حتى تأتيك منية قاضية أو يدٌ خاطئة. قال: خلوا عنه».
ورجال إسناده لا بأس به، والحسن لم يسمع من عليٍّ ولا من محمد بن مسلمة إلا أنه يقوّي ما قبله.

أحاديث لها شرح في هذا الكتاب (عرض 50 حديثاً حول الحديث الحالي)

الحديث الحالي في المركز 25 من أصل 409 حديثاً له شرح

معلومات عن حديث: إذا كانت فتنة فاجلس في بيتك حتى تأتيك يد خاطئة أو يعافيك الله

  • 📜 حديث: إذا كانت فتنة فاجلس في بيتك حتى تأتيك يد خاطئة أو يعافيك الله

    نص الحديث الشريف كاملاً مع ذكر الرواة وسند الحديث المتصل بسلسلة الإسناد الصحيحة حتى النبي محمد صلى الله عليه وسلم.

  • 🔍 صحة حديث: إذا كانت فتنة فاجلس في بيتك حتى تأتيك يد خاطئة أو يعافيك الله

    تحليل درجة صحة الحديث من حيث السند والمتن وفق معايير علم الحديث، مع بيان حكم العلماء عليه من حيث القبول والرد.

  • 📖 تخريج حديث: إذا كانت فتنة فاجلس في بيتك حتى تأتيك يد خاطئة أو يعافيك الله

    تخريج الحديث من مصادر السنة النبوية المعتمدة وكتب الصحاح والسنن، مع ذكر أماكن وروده في المصادر الحديثية المختلفة.

  • 📚 شرح حديث: إذا كانت فتنة فاجلس في بيتك حتى تأتيك يد خاطئة أو يعافيك الله

    شرح وافي للمعاني والمفردات والفوائد المستنبطة من الحديث، مع بيان الأحكام الشرعية والعبر المستفادة لتطبيقها في الحياة العملية.


قراءة القرآن الكريم


سورة البقرة آل عمران سورة النساء
سورة المائدة سورة يوسف سورة ابراهيم
سورة الحجر سورة الكهف سورة مريم
سورة الحج سورة القصص العنكبوت
سورة السجدة سورة يس سورة الدخان
سورة الفتح سورة الحجرات سورة ق
سورة النجم سورة الرحمن سورة الواقعة
سورة الحشر سورة الملك سورة الحاقة
سورة الانشقاق سورة الأعلى سورة الغاشية

الباحث القرآني | البحث في القرآن الكريم


Wednesday, November 19, 2025

لا تنسنا من دعوة صالحة بظهر الغيب