هذا الكوثر الذي أعطاك ربك

شرح الحديث:

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
حياكم الله و بياكم، ونسأل الله أن يوفقنا وإياكم للعلم النافع والعمل الصالح، ولفهم كتابه وسنة نبيه ،وأن يعلمنا ما ينفعنا وينفعنا بما علمنا، وأن يزيدنا علماً وفقهاً وتوفيقاً وأجراً إنه هو الكريم الوهاب. هذا حديث عظيم يصف جزءاً من نعيم الجنة الذي خصَّ به النبي صلى الله عليه وسلم، وسأشرحه لك جزءاً جزءاً مستعيناً بالله، ومستنداً إلى كبار شراح الحديث من أهل السنة والجماعة.
الحديث: عن أنس بن مالك رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «بينما أنا أسير في الجنة، إذا أنا بنهر، حافتاه قباب الدر المجوف، قلت: ما هذا يا جبريل؟ قال: هذا الكوثر، الذي أعطاك ربك، فإذا طينه -أو طيبه- مسك أذفر».
رواه البخاري.

---

1. شرح المفردات:

● بينما أنا أسير في الجنة: أي خلال سيري ومشيي في جنات النعيم. وكانت هذه خلال رحلة الإسراء والمعراج.
● نهر: مجرى ماء عظيم.
● حافتاه: جانباه وضفتاه (مفردها: حافة).
● قباب الدر المجوف: القباب: هي المباني المقوسة ذات الشكل نصف الدائري- الدر: اللؤلؤ- المجوف: الأجوف أو المصمت الكبير الحجم. فالمعنى: قباب عظيمة مصنوعة من لؤلؤة واحدة مجوفة من الداخل.
● الكوثر: اسم للنهر الذي أعطاه الله لنبيه صلى الله عليه وسلم في الجنة، وهو من كلمة "الكثرة" دلالة على خيره الكثير الذي لا ينقطع.
● طينه - أو طيبه -: "طينه" أي ترابه الذي في قاعه. وقوله (أو طيبه) من الرواية، أي رائحته الزكية.
● مسك أذفر: المسك: أطيب الطيب- أذفر: صفة للمسك تعني شديد البياض أو شديد الرائحة الزكية الفواحة.

---

2. شرح الحديث:

يصف لنا النبي صلى الله عليه وسلم مشهداً من مشاهد الجنة التي رأها بعينيه خلال رحلة الإسراء والمعراج. فهو يخبر أنه أثناء سيره في رياض الجنة الفسيحة، أبصر نهراً عظيماً. لم يكن هذا النهر عادياً، بل كانت ضفتاه (جانباه) مبنيَّتين من قباب هائلة مصنوعة من لؤلؤة واحدة كبيرة مجوفة، تشكل قبة رائعة الجمال.
لم يعرف النبي صلى الله عليه وسلم ما هذا النهر العجيب، فسأل دليله في تلك الرحلة السماوية، وهو المَلَك جبريل عليه السلام: "ما هذا يا جبريل؟".
فأجابه جبريل عليه السلام: "هذا الكوثر، الذي أعطاك ربك". أي هذا هو النهر الذي وعَدك به ربك في قوله تعالى: {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ} [سورة الكوثر: 1].
ثم يكمّل النبي صلى الله عليه وسلم وصفه لهذا النهر فيذكر من عظيم نعيمه وجماله أن ترابه (طينه) أو رائحته (طيبه) هي من أطيب الطيب، وهو المسك الأذفر شديد البياض والفوحان.

---

3. الدروس المستفادة منه:

1- إثبات نعيم الجنة الحقيقي: الحديث يثبت أن نعيم الجنة حقيقي يتنعم به المؤمنون بأبدانهم وأرواحهم، وليس مجرد أمور معنوية، فهناك أنهار وقباب وروائح طيبة، ولكنها في جودة وكمال لا يعلمه إلا الله.
2- مكانة النبي صلى الله عليه وسلم عند ربه: هذا النهر العظيم هبة وعطاء من الله تعالى لخاتم الأنبياء، مما يدل على علو منزلته وكرامته عند ربه. والكوثر هو أحد معجزاته الحسية التي رآها.
3- تصوير الجنة وحثُّ النفس على طلبها: مثل هذه الأحاديث التي تصف نعيم الجنة تزرع في قلب المؤمن الشوق إلى دار الكرامة، وتحمله على الصبر على الطاعات وتحمل المشاق في سبيل نيل هذا الفضل العظيم.
4- حقيقة الكوثر: يبين الحديث حقيقة الكوثر الذي ذكر في السورة، وأنه نهر في الجنة، وليس مجرد خير معنوي، وهو ما عليه اعتقاد أهل السنة والجماعة.
5- التواضع النبوي: رغم أن being the recipient of this immense gift, the Prophet (ﷺ) asked about it, يظهر his humility and desire to learn and convey knowledge to his Ummah.

---

4. معلومات إضافية مفيدة:

- هذا الحديث جزء من مجموعة أحاديث صحيحة تصف نهر الكوثر، ومنها ما رواه مسلم أن حوض النبي صلى الله عليه وسلم (في الموقف يوم القيامة) يصب فيه ميزابان من الكوثر.
- ذكر الإمام ابن القيم رحمه الله أن نهر الكوثر يجري خارج أبواب الجنة، وحوضه في عرصات القيامة يسقى منه المؤمنون قبل دخول الجنة.
- يستحب للمسلم أن يكثر من حمد الله والشكر له على ما أعطى نبيه من الخير الكثير، وأن يسأل الله أن يشركه في هذه الكرامات.
أسأل الله تعالى أن يجعلنا من ورثة جنة النعيم، وأن يسقينا من حوض نبيه صلى الله عليه وسلم شربة لا نظمأ بعدها أبداً.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.