حديث: زوَّارات القبور

📚 كتب الحديث | 🔍 صحة حديث | 📖 الأحاديث الصحيحة

باب ما جاء من النهي عن زيارة القبور للنساء

عن أبي هريرة قال: لعن رسول الله ﷺ زوَّارات القبور.

حسن: رواه الترمذي (١٠٥٦)، وابن ماجه (١٥٧٦) كلاهما من طريق أبي عوانة، عن عمر بن أبي سلمة، عن أبيه، عن أبي هريرة فذكر الحديث.

عن أبي هريرة قال: لعن رسول الله ﷺ زوَّارات القبور.

شرح الحديث:

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
حياكم الله و بياكم، و نسأل الله تعالى أن يعلمنا ما ينفعنا و أن ينفعنا بما علمنا و أن يزيدنا علما وفقها في الدين، وأن يغفر ذنوبنا ويستر عيوبنا ويجعلنا هداة مهتدين.
الحديث الذي ذكر رواه الإمام أحمد في مسنده، وأبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه، وصححه الألباني. وهو حديث صحيح، ولفظه كما جاء: "لعن رسول الله ﷺ زوَّارات القبور".
وفي رواية أخرى: "لعن الله زوَّارات القبور، والمتخذين عليها المساجد والسرج".


1. شرح المفردات:


* لعن: اللعن هو الطرد والإبعاد من رحمة الله تعالى. وقول النبي ﷺ "لعن" هو بيان لحكم الله، فهو إما إنشاء لعن من النبي ﷺ بأمر الله، أو إخبار عن لعن الله لهن.
* زوَّارات: جمع "زائرة"، وهي المرأة التي تكثر من زيارة القبور وتداوم عليها.
* القبور: مقابر الموتى.


2. شرح الحديث:


هذا الحديث فيه بيان تحريم زيارة النساء للقبور على وجه العموم في الزمن الأول من الإسلام. والعلة في هذا التحريم تعود إلى أمور عدة، منها:
* عدم صبر النساء وكثرة جزعهن: فالمرأة غالباً ما تغلبها عاطفتها، وزيارة القبور تذكرها بفقد الأحبة، مما قد يجرها إلى البكاء والنواح والندب الذي كان من عادات الجاهلية، وهو مما حرمه الإسلام.
* خوف الوقوع في المحظور: كالاعتراض على قضاء الله وقدره، أو قول ما يسخط الله من الكلمات عند شدة الحزن.
* حماية المجتمع من المنكرات: فالنواح والندب والصراخ عند القبور من الأمور التي تثير الفتنة وتنشر جوًا من الحزن المذموم واليأس.
ملحوظة مهمة في الفهم: هذا النهي واللعن كان في أول الإسلام حين كان الناس حديثي عهد بالجاهلية وعاداتها. أما بعد ذلك، فقد تطور الحكم.
فقد روى الإمام مسلم في صحيحه عن أبي هريرة نفسه أيضاً أن رسول الله ﷺ قال: "كنت نهيتكم عن زيارة القبور، فزوروها فإنها تذكر الآخرة".
فهذا الحديث الناسخ يبين أن النهي الأول كان تحريماً ثم نسخ إلى الإباحة والاستحباب للرجال.
أما بالنسبة للنساء، فجمهور العلماء (من الحنفية والمالكية والشافعية) على أن النهي عن زيارة النساء للقبور باقٍ ولم ينسخ، واستدلوا بهذا الحديث الخاص بالنساء ("زوارات القبور") الذي قيد الحكم بهن، بينما الحديث الناسخ ("فزوروها") جاء عاماً للرجال والنساء. فيقدم الخاص على العام.
وذهب الإمام أحمد في رواية وابن تيمية وغيرهم إلى أن النهي عن زيارة النساء للقبور منسوخ أيضاً، واستدلوا بعموم حديث الإباحة ("فزوروها")، وأن عائشة رضي الله عنها كانت تزور قبر أخيها عبد الرحمن.
والراجح - والله أعلم - هو قول الجمهور بمنع النساء من زيارة القبور؛ حفظاً لهن من المواطن التي تغلب فيها الشهوة والعاطفة، ولئلا يفتح باباً للاختلاط أو التبرج أو المنكرات عند القبور.


3. الدروس المستفادة منه:


1- حكمة التشريع الإسلامي: يظهر من هذا الحديث حرص الشريعة على حفظ المجتمع من كل ما يؤدي إلى الفتنة أو المنكر، ومراعاة الطبيعة النفسية للرجل والمرأة.
2- الرفق بالنساء وحمايتهن: الشرع يريد للمرأة أن تكون في مكانة طاهرة بعيدة عن المواطن التي تجرح حياءها أو تثير عاطفتها بشكل مذموم.
3- تحريم التشبه بأهل الجاهلية: النهي عن زيارة النساء جاء للقطع مع عادات الجاهلية في النياحة والندب ولبس السواد وغيرها.
4- فهم النصوص بشكل متكامل: لا يؤخذ حديث واحد بمعزل عن الآخر، بل يجب جمع النصوص الواردة في الباب لفهم الحكم الشرعي بشكل صحيح، ومراعاة الناسخ والمنسوخ، والعام والخاص.


4. معلومات إضافية مفيدة:


* حكم زيارة القبور للرجال: مستحبة شرعاً؛ لأنها تذكر الموت والآخرة، وتزهد في الدنيا، بشرط أن لا يقول الزائر إلا ما يشرع (كأن يسلم على أهل القبور ويدعو لهم).
* ما تفعله المرأة عند فقدها لشخص عزيز: تستحب لها الصبر والاحتساب والدعاء للميت في بيتها، والتصدق عنه، وغير ذلك من الأعمال الصالحة التي تنفعه.
* الفرق بين الزيارة والتشييع: يجوز للمرأة أن تشيع الجنازة إلى المقبرة للصلاة عليها والدعاء، ولكن ليس لها أن تلحق بالجنازة إلى القبر وتقف عند الدفن، بل تنصرف بعد الصلاة. وهذا من الفروق المهمة.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
📝 تنبيه هام:
نرحب بتصويباتكم! إذا وجدت أي خطأ في نص الحديث أو السند أو الشرح، فيرجى إبلاغنا عبر صفحة الاتصال:
"مَنْ سَنَّ فِي الإِسْلَامِ سُنَّةً حَسَنَةً فَلَهُ أَجْرُهَا وَأَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا"

تخريج الحديث

رواه الترمذي (١٠٥٦)، وابن ماجه (١٥٧٦) كلاهما من طريق أبي عوانة، عن عمر بن أبي سلمة، عن أبيه، عن أبي هريرة فذكر الحديث.
وإسناده حسن من أجل عمر بن أبي سلمة وهو: عمر بن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف الزهري قاضي المدينة، حسن الحديث. قال فيه ابن معين: «ليس به بأس»، وقال أبو حاتم: «هو عندي صالح صدوق»، وقال البخاري: «صدوق»، وقال ابن عدي: «حسن الحديث».
قال الترمذي: «حسن صحيح»، وصحَّحه أيضًا ابن حبان (٣١٧٩)، ورواه الإمام أحمد (٨٤٤٩) كلاهما من هذا الوجه.
وأما كون شعبة تركه فكما قال أحمد: «لم يسمع شعبةُ من عمر بن أبي سلمة».
قال الترمذي: «وقد رأى بعض أهل العلم أن هذا كان قبل أن يُرخِّص النبي ﷺ في زيارة القبور، فلما رخَّص دخل في رخصته الرجال والنساء، وقال بعضهم: إنما كُرِه زيارةُ القبور للنساء لقلة صبرهن، وكثرة جزعهنَّ»، انتهى.
وفي الباب حديثان آخران عن ابن عباس وحسان بن ثابت.
أما حديث ابن عباس فقال: «لعن رسول الله ﷺ زائرات القبور، والمتخذين عليها المساجد والسرج». رواه أبو داود (٣٢٣٦)، والترمذي (٣٢٠)، والنسائي (٢٠٤٥)، وابن ماجه (١٥٧٥) كلهم من طريق محمد بن جحادة، قال: سمع أبا صالح، يحدث عن ابن عباس فذكر الحديث، ولفظهم سواء غير أن ابن ماجه رواه مختصرًا، وأبو صالح هو باذام، ويقال: باذان مولى أم هانئ بنت أبي طالب ضعَّفه أَكثر الأئمة منهم أبو حاتم قال: «يكتب حديثه ولا يحتج به»، وقال النسائي: «ليس بثقة»، وقال ابن عدي: «عامة ما يرويه تفسير، وما أقل ما له من المسند، وفي ذلك التفسير ما لم يتابعه عليه أهل التفسير، ولم أعلم أحدا من المتقدمين رضيه»، وقال الجوزجاني: «إنه متروك»، ونقل ابن الجوزي عن الأزدي أنه قال: «كذاب» وقال أبو أحمد الحاكم: «ليس بالقوي عندهم»، وقال ابن حبان: «يحدث عن ابن عباس ولم يسمع منه»، وقال أحمد: «كان ابن مهدي ترك حديث أبي صالح».
وأما ابن معين فقال: «ليس به بأس، وإذا روى عن الكلبي فليس بشيء»، وقال ابن المديني عن القطان: «لم أر أحدًا من أصحابنا تركهـ، وما سمعت من الناس يقول فيه شيئًا»، ووثَّقه العجلي، وقد صحَّح حديثه هذا ابن حبان (٣١٧٩، ٣١٨٠) وحسَّنه الترمذي، وأخرجه الحاكم (١/ ٣٧٤) كلهم من هذا الوجه.
وقد زعم ابن حبان أن أبا صالح هو: «ميزان، وهو ثقة»، وقال أيضًا: «أبو صالح: اسمه ميزان بصري ثقة، وليس بصاحب محمد بن السائب الكلبي»، انتهى. واستغربه الحافظ في «التلخيص» (٢/ ١٣٧) وقال: «ضعيف» وقال في التقريب: «ضعيف مدلس».
وأما الحاكم فأَكَّد أنه باذان، ونفى أن يكون السمان الزيات ذكوان أبو صالح من رجال الشيخين ثم قال: «لكن حديث متداول فيما بين الأئمة، وقد وجدت له متابعا من حديث سفيان الثوري في متن الحديث فخرجته» انتهى.
فالذي يظهر من أقوال أهل العلم في أبي صالح أنه ضعيف، فإن من علم حجة على من لم يعلم.
وأما حديث سفيان الذي أشار إليه الحاكم فهو ما رواه ابن ماجه (١٥٧٤)، والحاكم (١/ ٣٧٤)، وأحمد (١٥٦٥٧) كلهم من طرق، عن سفيان، عن عبد الله بن عثمان بن خُثيِم القارئ، عن عبد الرحمن بن بهمان، عن عبد الرحمن بن حسان، عن أبيه حسان بن ثابت قال: «لعن رسول الله ﷺ زوّارات القبور»، وعبد الرحمن بن بهمان لم يرو عنه سوى ابن خُثيم، ولم يُوثر فيه توثيق من أحد غير أن ابن حبان أورده في «الثقات»، وكذا العجلي، فهو مجهول على رأي أهل العلم، وأما الحافظ فجعله «مقبولًا» لتوثيق ابن حبان له كما هو معروف من تتبع «المقبولين» في «التقريب»، ولذا حسَّنه بعض أهل العلم في الشواهد، ومنهم الحاكم.
وكذلك لا يصح ما رُوي عن علي بن أبي طالب قال: خرج رسول الله ﷺ فإذا نسوة جلوس فقال: «ما يُحبسكن؟» قُلن: ننتظر الجنازة، قال: «هل تغْسِلْن؟» قُلن: لا، قال: «هل تحملن؟» قلن: لا، قال: «هل تُدلين فيمن يُدلي؟» قلن: لا، قال: «فارجعن مأزوراتٍ غير مأجورات» فهو ضعيف جدًّا، رواه ابن ماجه (١٥٧٨) عن محمد بن المصفي، قال: حدثنا أحمد بن خالد، قال: حدثنا إسرائيل، عن إسماعيل بن سلْمان، عن دينار أبي عمر، عن ابن الحنفية، عن علي بن أبي طالب فذكر الحديث.
وفيه إسماعيل بن سلمان بن أبي المغيرة التيمي قال النسائي: «متروك»، وضعَّفه أبو زرعة وأبو حاتم وأبو داود والدارقطني وغيرهم، ودينار بن عمر الأسدي، أبو عمر البزَّار قال فيه الحافظ: «صالح الحديث رمي بالرفض».
قال الأعظمي: هذا الرجل مختلف فيه، فقد وَثَّقه وكيع -على ما رواه عبد الله بن أحمد بن حنبل، عن أبيه- وقال أبو الفتح الأزدي: «متروكٌ»، وقال الخَلِيلي في «الإرشاد»: «كذَّاب»، وقال البخاري: «كان مختاريًا من شُرط المختار بن أبي عُبَيد (الكذاب)، ونحن نخشى أن يكون وكيع إنما وَثَّقَ غير الراوي عن محمد بن الحنفية، فإذا كان ذلك كذلك -وهو المرجح- فهو متروك» والله تعالى أعلم.
وكذلك لا يصح ما رُوي عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: قَبرنا مع رسول الله ﷺ -يعني ميتًا- فلما فرغنا انصرف رسول الله ﷺ وانصرفنا معه، فلما حاذى بابه وقف فإذا نحن بامرأة مقبلة، قال: أظنه عرفها، فلما ذهبت إذا هي فاطمة [عليها السلام] فقال لها رسول الله ﷺ: «ما أخرجك يا فاطمة من بيتك؟» فقالت: أتيت يا رسول الله، أهْلَ هذا البيت فرحَّمْت إليهم ميتهم، أو عزيتهم به، فقال لها رسول الله ﷺ: «فلعلَّك بَلغتِ معهم الكُدَى» قالت: معاذ الله! وقد سمعتك تذكر فيها ما تذكر، قال: «لو بلغت معهم الكُدَى» فذكر تشديدًا في ذلك، فسألت ربيعة عن الكدى، فقال: القبور فيما أحسب.
رواه أبو داود (٣١٢٣)، والنسائي (١٨٨٠) كلاهما من طريق ربيعة بن سيف المعافري، عن أبي عبد الرحمن الحُبُلي، عن عبد الله بن عمرو فذكره.
وأخرجه ابن حبَّان في صحيحه (٣١٧٧)، والحاكم (١/ ٣٧٣ - ٣٧٤)، والإمام أحمد (٦٥٧٤) كلهم من هذا الطريق. قال الحاكم: «صحيح على شرط الشيخين».
والصواب: أنه ليس على شرط أحدهما، وفي إسناده ربيعة بن سيف المعافري ضغَّفه النسائي في «السنن»، وقال البخاري: «عنده مناكير»، وقال المنذري: «ربيعة بن سيف المعافري من تابعي أهل مصر وفيه مقال».
وأما ابن حبان فإنه وإن كان أخرج الحديث في صحيحه ولكنه قال في «الثقات»: «يخطئ كثيرًا»، وتساهل فيه العجلي فقال: «ثقة».
وقوله: «الكدى»: جمع الكُدية، وهي القطعة الصلبة من الأرض، والقبور: إنما تحفر في المواضع الصلبة لئلا تنهار، والعرب تقول: ما هو إلا ضب كدية، إذا وصفوا الرجل بالدهاء والأرب، ويقال أكدى الرجل: إذا حفر فأفضى إلى الصلابة، ويضرب به المثل فيمن أخفق، فلم ينجح في طلبته». قاله الخطابي في معالمه.

أحاديث لها شرح في هذا الكتاب (عرض 50 حديثاً حول الحديث الحالي)

الحديث الحالي في المركز 533 من أصل 541 حديثاً له شرح

معلومات عن حديث: زوَّارات القبور

  • 📜 حديث: زوَّارات القبور

    نص الحديث الشريف كاملاً مع ذكر الرواة وسند الحديث المتصل بسلسلة الإسناد الصحيحة حتى النبي محمد صلى الله عليه وسلم.

  • 🔍 صحة حديث: زوَّارات القبور

    تحليل درجة صحة الحديث من حيث السند والمتن وفق معايير علم الحديث، مع بيان حكم العلماء عليه من حيث القبول والرد.

  • 📖 تخريج حديث: زوَّارات القبور

    تخريج الحديث من مصادر السنة النبوية المعتمدة وكتب الصحاح والسنن، مع ذكر أماكن وروده في المصادر الحديثية المختلفة.

  • 📚 شرح حديث: زوَّارات القبور

    شرح وافي للمعاني والمفردات والفوائد المستنبطة من الحديث، مع بيان الأحكام الشرعية والعبر المستفادة لتطبيقها في الحياة العملية.


قراءة القرآن الكريم


سورة البقرة آل عمران سورة النساء
سورة المائدة سورة يوسف سورة ابراهيم
سورة الحجر سورة الكهف سورة مريم
سورة الحج سورة القصص العنكبوت
سورة السجدة سورة يس سورة الدخان
سورة الفتح سورة الحجرات سورة ق
سورة النجم سورة الرحمن سورة الواقعة
سورة الحشر سورة الملك سورة الحاقة
سورة الانشقاق سورة الأعلى سورة الغاشية

الباحث القرآني | البحث في القرآن الكريم


Wednesday, November 19, 2025

لا تنسنا من دعوة صالحة بظهر الغيب