لا دريت

حديث: لا دريت

عن البراء قال: قال رسول الله ﷺ: «وذكر الكافر حين تُقبض روحه قال: فتعاد روحُه في جَسده، قال: فيأتيه ملكان شديد الانتهار فيجلسانه فيتهرانه، فيقولان له: من ربك؟ فيقول: لا أدري، قال: فيقولان له: ما دينك؟ فيقول: لا أدري، قال: فيقال له: ما هذا النبي الذي بُعث فيك؟ قال: فيقول: سمعت الناس يقولون ذلك، لا أدري قال: فيقولان: لا دريتَ قال: وذلك قول الله: ﴿وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ﴾».

حسن: رواه الطبري في تفسيره (١٣/ ٢١٨) من طريق أبي عوانة، عن الأعمش، عن المنهال ابن عمرو، عن زاذان، عن البراء فذكره، وهو حديث طويل سبق ذكره في الباب الذي قبله.

تخريج الحديث كاملاً ⏬

شرح الحديث:

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
حياكم الله و بياكم، وأسأل الله أن يوفقنا وإياكم للعلم النافع والعمل الصالح، ولفهم كتابه وسنة نبيه ،وأن يعلمنا ما ينفعنا وينفعنا بما علمنا، وأن يزيدنا علماً وفقهاً وتوفيقاً وأجراً إنه هو الكريم الوهاب.
هذا الحديث الشريف الذي رواه الإمام أحمد في مسنده، وغيره، عن الصحابي الجليل البراء بن عازب رضي الله عنه، يصف لنا جانباً من أهوال سكرات الموت وعذاب القبر الذي يلقاه الكافر عند خروج روحه.

أولاً. شرح المفردات:

● حين تُقبض روحه: أي عند الموت وسحب الروح من الجسد.
● فَتُعَادُ رُوحُهُ فِي جَسَدِهِ: ترد الروح إلى الجسد مرة أخرى لأجل سؤال الملكين، وهذه إعادة خاصة للامتحان والابتلاء، وليست إعادة الحياة الكاملة.
● مَلَكَانِ شَدِيدَا الانْتِهَارِ: ملكان قاسيان المظهر، مخيفان، صارمان في سؤالهم وتعاملهم.
● فَيُجْلِسَانِهِ: يقعدانه من حالة الموت والاضطجاع.
● فَيُهَرَّانِهِ: يخيفانه ويرهبانه بصوت شديد أو مظهر مخيف.
● لاَ دَرَيْتَ: لفظ توبيخ وتعجيب، أي: لم تعلم ولم تتفقه في دينك مع وضوح الأدلة.

ثانياً. شرح الحديث:

يخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم عن حالة الكافر عند موته، حيث تقبض روحه بعذاب وشدّة، ثم ترد إليه روحه في جسده ليجيب على أسئلة الملكين الموكلين بسؤال القبر. فيأتيانه بصورة تثير الرعب والفزع، فيجلسانه ويسألانه ثلاثة أسئلة أساسية تمثل أصول الإيمان:
1- مَنْ رَبُّكَ؟ (سؤال عن الإله المعبود) فيتحير ولا يجد جواباً، فيقول: "هَهْ هَهْ، لاَ أَدْرِي". فهو يعيش حيرة وضلالاً، لأنه في الدنيا كان يعبد غير الله أو ينكر وجوده.
2- مَا دِينُكَ؟ (سؤال عن المنهج والطريق الذي كان عليه) فيقول: "لاَ أَدْرِي". لأنه لم يكن على دين الحق، بل كان على ضلالة.
3- مَا هَذَا الرَّجُلُ الَّذِي بُعِثَ فِيكُمْ؟ (سؤال عن نبينا محمد صلى الله عليه وسلم) فيقول: "سَمِعْتُ النَّاسَ يَقُولُونَ شَيْئًا فَقُلْتُهُ". أي أنه لم يؤمن به عن يقين وبصيرة، بل كان يقلد الناس من غير تبصر.
فيكون مصيره اللعنة والغضب والعذاب، ويقال له توبيخاً: "لاَ دَرَيْتَ وَلَا تَلَيْتَ" أي: لم تعلم الحق ولم تتبع ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم.
ثم بين النبي صلى الله عليه وسلم أن هذه الحالة من الضلال والحيرة هي مصداق قول الله تعالى: {وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ} [إبراهيم: 27]. فالله سبحانه يخذل من ظلم نفسه بالكفر والشرك، فيزيغ قلبه ويحرمه الهداية عند الاحتضار.

ثالثاً. الدروس المستفادة والعبر:

1- عظمة عقوبة الكفر: الحديث يصور جزءاً من العذاب الذي ينتظر الكافر بعد موته، وهو سؤال القبر وعذابه، مما يحذر من الاستهانة بالكفر واتباع الشهوات.
2- أهمية الإجابة عن هذه الأسئلة: على المسلم أن يعرف إجابات هذه الأسئلة يقيناً وهو في دار الدنيا، فيعلم أن ربه هو الله، ودينه هو الإسلام، ونبيه هو محمد صلى الله عليه وسلم.
3- التحذير من التقليد الأعمى: قول الكافر "سمعت الناس يقولون شيئاً فقلته" تحذير من اتباع الآباء والمجتمع في الضلال دون تدبر أو بصيرة.
4- العدل الإلهي: أن ضلال الكافر هو نتيجة لظلمه وكفره، والله لا يظلم أحداً، ولكن الظالمين هم الذين يظلمون أنفسهم.
5- الاستعداد للموت: الحديث يحث المسلم على الاستعداد للموت بالإيمان والعمل الصالح، لأن الموت آتٍ وما بعده أهوال يحتاج فيها الإنسان إلى إيمان راسخ.

رابعاً. معلومات إضافية:

- هذا الحديث جزء من حديث طويل رواه البراء بن عازب في قصة الموت وأحواله، وهو حديث عظيم له شواهد.
- سؤال القبر ونعيمه أو عذابه ثابت بالأحاديث الصحيحة، وهو من أمور الغيب التي يجب الإيمان بها.
- ينبغي للمسلم أن يكثر من الدعاء بالثبات عند السؤال، كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يعلم أصحابه أن يقولوا: "اللهم إني أعوذ بك من عذاب القبر".
أسأل الله تعالى أن يثبتنا عند السؤال، وأن يحسن خاتمتنا، وأن يجعل قبورنا روضة من رياض الجنة.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

📝 تنبيه هام:

نرحب بتصويباتكم! إذا وجدت أي خطأ في نص الحديث أو السند أو الشرح، فيرجى إبلاغنا عبر صفحة الاتصال:

📧 التواصل للإبلاغ عن خطأ

"مَنْ سَنَّ فِي الإِسْلَامِ سُنَّةً حَسَنَةً فَلَهُ أَجْرُهَا وَأَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا"

تخريج الحديث

رواه الطبري في تفسيره (١٣/ ٢١٨) من طريق أبي عوانة، عن الأعمش، عن المنهال ابن عمرو، عن زاذان، عن البراء فذكره، وهو حديث طويل سبق ذكره في الباب الذي قبله.
وهو الذي قال فيه البيهقي في «إثبات عذاب القبر» (٢٧): «هذا حديث كبير صحيح الإسناد، رواه جماعة من الأئمة الثقات عن الأعمش».
وإسناده حسن من أجل المنهال بن عمرو فإنه «صدوق».
ومعنى قول الله تعالى: ﴿يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ﴾ [إبراهيم: ٢٧] أي تثبيتُه إياهم في الحياة الدنيا بالإيمان بالله وبرسوله ﷺ، وفي الآخرة بمثل الذي ثبتهم به في الحياة الدنيا، وذلك في قبورهم حين يُسألون عن
الذي هم عليه من التوحيد والإيمان برسوله ﷺ.
وقوله: ﴿وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ﴾ فإنه يعني أن الله لا يوفق المنافق والكافر في الحياة الدنيا وفي الآخرة عند المسألة في القبر لما هدى له المؤمن من الإيمان بالله ورسوله ﷺ. انظر «تفسير الطبري» (١٣/ ٢١٨).
وأما ما رُوي عن عائشة قالت: قال رسول الله ﷺ: «بي يُفتن أهل القبور، وفيّ نزلت هذه الآية: ﴿يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ﴾ [إبراهيم: ٢٧]». فهو ضعيف.
رواه البيهقي في «إثبات عذاب القبر» (١٥) من طريق محمد بن إسحاق الصغاني، ثنا محمد بن عمر الأسلمي، قال عبد السلام بن حفص: ثنا عن شريك بن أبي نمر، عن عطاء بن يسار، عن عائشة قالت: فذكرته. ومحمد بن عمر هو الواقدي الأسلمي متروك.

العودة إلى الأعلى

أحاديث لها شرح في هذا الكتاب (عرض 50 حديثاً حول الحديث الحالي)

الحديث الحالي في المركز 509 من أصل 541 حديثاً له شرح

معلومات عن حديث: لا دريت

📜 حديث: لا دريت

نص الحديث الشريف كاملاً مع ذكر الرواة وسند الحديث المتصل بسلسلة الإسناد الصحيحة حتى النبي محمد صلى الله عليه وسلم.
🔍 صحة حديث: لا دريت

تحليل درجة صحة الحديث من حيث السند والمتن وفق معايير علم الحديث، مع بيان حكم العلماء عليه من حيث القبول والرد.
📖 تخريج حديث: لا دريت

تخريج الحديث من مصادر السنة النبوية المعتمدة وكتب الصحاح والسنن، مع ذكر أماكن وروده في المصادر الحديثية المختلفة.
📚 شرح حديث: لا دريت

شرح وافي للمعاني والمفردات والفوائد المستنبطة من الحديث، مع بيان الأحكام الشرعية والعبر المستفادة لتطبيقها في الحياة العملية.

قراءة القرآن الكريم

سورة البقرة	آل عمران	سورة النساء
سورة المائدة	سورة يوسف	سورة ابراهيم
سورة الحجر	سورة الكهف	سورة مريم
سورة الحج	سورة القصص	العنكبوت
سورة السجدة	سورة يس	سورة الدخان
سورة الفتح	سورة الحجرات	سورة ق
سورة النجم	سورة الرحمن	سورة الواقعة
سورة الحشر	سورة الملك	سورة الحاقة
سورة الانشقاق	سورة الأعلى	سورة الغاشية