حيثما مررت بقبر مشرك فبشره بالنار

حديث: حيثما مررت بقبر مشرك فبشره بالنار

عن عبد الله بن عمر قال: جاء أعرابيٌّ إلى النّبيّ ﷺ فقال: يا رسول الله، إنّ أبي كان يصلُ الرَّحم، وكان وكان، فأين هو؟ قال: «في النار». قال: فكأنّه وجد من ذلك، فقال: يا رسول الله!، فأين أبوك؟ فقال رسول الله ﷺ: «حيثما مررتَ بقبر مشرك فبشِّرْه بالنّار«، قال: فأسلم الأعرابيُّ بعد، وقال: لقد كلّفني رسول الله ﷺ تعبًا، ما مررتُ بقبر كافر إلّا بشّرتُه بالنّار».

صحيح: رواه ابن ماجه (١٥٧٣) عن محمد بن إسماعيل بن البختريّ الواسطيّ، قال: حدّثنا يزيد بن هارون، عن إبراهيم بن سعد، عن الزّهريّ، عن سالم، عن أبيه، فذكره.

تخريج الحديث كاملاً ⏬

شرح الحديث:

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
فأقدم لكم شرحًا وافيًا لحديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، معتمدًا على كبار شراح الحديث من أهل السنة والجماعة.

الحديث:

عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: جاء أعرابيٌّ إلى النّبيّ ﷺ فقال: يا رسول الله، إنّ أبي كان يصلُ الرَّحم، وكان وكان، فأين هو؟ قال: «في النار». قال: فكأنّه وجد من ذلك، فقال: يا رسول الله!، فأين أبوك؟ فقال رسول الله ﷺ: «حيثما مررتَ بقبر مشرك فبشِّرْه بالنّار«، قال: فأسلم الأعرابيُّ بعد، وقال: لقد كلّفني رسول الله ﷺ تعبًا، ما مررتُ بقبر كافر إلّا بشّرتُه بالنّار».
رواه الإمام أحمد في مسنده، وهو حديث صحيح.

١. شرح المفردات:

● الأعرابي: هو ساكن البادية من العرب، وكان غالبًا ما يتميز بجلادة الطبع وصراحة الكلام.
● يصل الرحم: يحسن إلى أقاربه ويبرهم ويحفظ حقوقهم.
● فكأنه وجد من ذلك: أي أحس بالألم والحزن من هذا الجواب الصادم.
● فبشره بالنار: أخبره بأن مصيره إلى النار، والتبشير هنا جاء على سبيل التهكم والوعيد، وليس على حقيقته من الفرح والسرور.
● كلفني تعبًا: أي ألزمني بمهمة شاقة.

٢. شرح الحديث:

جاء رجل من البادية إلى النبي صلى الله عليه وسلم يسأله عن مصير أبيه الذي كان يمتاز بخصال حسنة كصلة الرحم وغيرها، طامعًا أن يكون ذلك سببًا في نجاته. فأجابه النبي صلى الله عليه وسلم بكل وضوح وجلاء بأن أباه في النار، لأنه مات على الكفر والشرك.
فاستغرب الأعرابي هذا الجواب ووجد في نفسه ألمًا وحزنًا، وحاول أن يعترض بطريقة ذكية بسؤاله عن مصير أبوي النبي صلى الله عليه وسلم نفسه، ظنًا منه أن ذلك قد يغير الجواب أو يخفف من حدته.
فأجابه النبي صلى الله عليه وسلم بإجابة حاسمة جامعة، لم تترك مجالًا للشك أو التأويل: «حيثما مررت بقبر مشرك فبشره بالنار». أي أن حكم كل من مات على الشرك واحد، لا فرق بين أبيك وأبي أي نبي أو ملك مقرب، فالكل في النار لإنكارهم لدعوة التوحيد.
فلم يكن هذا الجواب مجرد رد على سؤال، بل كان دعوة عملية للأعرابي ليتفكر في هذا المبدأ العقدي الأصيل، ويختبر صدقه بنفسه. فما كان من الأعرابي إلا أن انشرح صدره للإسلام، وأسلم، وأصبح يطبق ما أمره به النبي صلى الله عليه وسلم تطبيقًا حرفيًا، حيث كان كلما مر بقبر كافر ذكره بمصيره المحتوم في النار.

٣. الدروس المستفادة والعبر:

1- عظمة التوحيد ووجوب تقديمه على كل شيء: الحديث يوضح أن أعمال البر والخصال الحسنة – كصلة الرحم – لا تنفع صاحبها أبدًا إذا مات على الكفر والشرك. فالناجي هو من جمع بين التوحيد والعمل الصالح.
2- الحكمة في الدعوة إلى الله: أظهر النبي صلى الله عليه وسلم حكمة بالغة في الرد على الأعرابي. لم يكتفِ بإجابة نظرية، بل وجهه إلى عمل عملي يثبت هذا المعنى في قلبه ويقينه.
3- الشفقة والصدق في النصيحة: قد تبدو الإجابة قاسية للوهلة الأولى، ولكنها في الحقيقة أقصى درجات الشفقة والصدق؛ لأنها تحذر الأحياء من مصير السوء، وتحثهم على الإسلام قبل فوات الأوان.
4- أن آباء النبي صلى الله عليه وسلم وأمه ماتوا على الجاهلية: وهذا مما أجمع عليه أهل السنة والجماعة، استنادًا إلى هذا الحديث وغيره من الأدلة القاطعة. وقد بين العلماء أنهم لم تبلغهم دعوة نبي، فهم تحت المشيئة يوم القيامة، لكن الأصل أن مصير من مات على الشرك هو النار.
5- قوة تأثير التطبيق العملي: كان للأمر العملي («حيثما مررت بقبر مشرك فبشره بالنار») أثر بالغ في نفس الأعرابي، حيث جعله يختبر الحقيقة بنفسه فيؤمن بها إيمانًا راسخًا.

٤. معلومات إضافية مفيدة:

- هذا الحديث أصل من أصول العقيدة في بيان أن الكفر يمحو جميع الحسنات، وأن الشرك لا يغفره الله إلا بالتوبة منه قبل الموت.
- يستفاد منه أيضًا أن الداعية يجب أن يكون حازمًا في بيان الحق، لا يلين فيه لمخلوق، لكن بحكمة وموعظة حسنة.
- نهى العلماء عن تطبيق هذا الفعل – أي تبشير الكفار بالنار عند قبورهم – في زماننا لغير الحاجة؛ لأنه قد يؤدي إلى مفاسد أو أذى، إلا إذا كان فيه مصلحة راجحة من تأكيد عقيدة البراءة من الكفار والمشركين.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

📝 تنبيه هام:

نرحب بتصويباتكم! إذا وجدت أي خطأ في نص الحديث أو السند أو الشرح، فيرجى إبلاغنا عبر صفحة الاتصال:

📧 التواصل للإبلاغ عن خطأ

"مَنْ سَنَّ فِي الإِسْلَامِ سُنَّةً حَسَنَةً فَلَهُ أَجْرُهَا وَأَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا"

تخريج الحديث

رواه ابن ماجه (١٥٧٣) عن محمد بن إسماعيل بن البختريّ الواسطيّ، قال: حدّثنا يزيد بن هارون، عن إبراهيم بن سعد، عن الزّهريّ، عن سالم، عن أبيه، فذكره. وإسناده صحيح، وقد صحّحه أيضًا البوصيريّ في «الزوائد» وقال: «هذا إسناد صحيح، رجاله ثقات، محمد بن إسماعيل وثقه ابن حبان والدارقطني والذهبي، وباقي رجال الإسناد على شرط الشيخين».
فالذي يظهر كأنّ الزهريّ يروي هذا الحديث بإسنادين وعن صاحبين وكلاهما صحيح، ولا يحتاج إلى تخطئة أحدهما.
وفي معناه ما رُوي عن أبي هريرة، عن النّبيّ ﷺ قال: «إذا مررتُم بقبورنا وقبوركم من أهل الجاهلية، فأخبروهم أنهم من أهل النار».
رواه ابن السني في «عمل اليوم والليلة» (٥٩٤)، وابن حبان في صحيحه (٨٤٧) كلاهما عن الحارث ابن سُريج، ثنا يحيى بن يمان، عن محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة فذكر الحديث.
ويحيى بن يمان مختلف فيه غير أنه يحسن حديثه في الشواهد إذا لم يأت بشيء منكر. ولكن آفته الحارث بن سريج النّقّال ذكره الذهبيّ في «الميزان» (١/ ٤٣٣)، ونقل تضعيفه عن عدد من أهل العلم، قال ابن عدي: «ضعيف يسرق الحديث».

العودة إلى الأعلى

أحاديث لها شرح في هذا الكتاب (عرض 50 حديثاً حول الحديث الحالي)

الحديث الحالي في المركز 541 من أصل 541 حديثاً له شرح

معلومات عن حديث: حيثما مررت بقبر مشرك فبشره بالنار

📜 حديث: حيثما مررت بقبر مشرك فبشره بالنار

نص الحديث الشريف كاملاً مع ذكر الرواة وسند الحديث المتصل بسلسلة الإسناد الصحيحة حتى النبي محمد صلى الله عليه وسلم.
🔍 صحة حديث: حيثما مررت بقبر مشرك فبشره بالنار

تحليل درجة صحة الحديث من حيث السند والمتن وفق معايير علم الحديث، مع بيان حكم العلماء عليه من حيث القبول والرد.
📖 تخريج حديث: حيثما مررت بقبر مشرك فبشره بالنار

تخريج الحديث من مصادر السنة النبوية المعتمدة وكتب الصحاح والسنن، مع ذكر أماكن وروده في المصادر الحديثية المختلفة.
📚 شرح حديث: حيثما مررت بقبر مشرك فبشره بالنار

شرح وافي للمعاني والمفردات والفوائد المستنبطة من الحديث، مع بيان الأحكام الشرعية والعبر المستفادة لتطبيقها في الحياة العملية.

قراءة القرآن الكريم

سورة البقرة	آل عمران	سورة النساء
سورة المائدة	سورة يوسف	سورة ابراهيم
سورة الحجر	سورة الكهف	سورة مريم
سورة الحج	سورة القصص	العنكبوت
سورة السجدة	سورة يس	سورة الدخان
سورة الفتح	سورة الحجرات	سورة ق
سورة النجم	سورة الرحمن	سورة الواقعة
سورة الحشر	سورة الملك	سورة الحاقة
سورة الانشقاق	سورة الأعلى	سورة الغاشية