على كل مسلم صدقة

حديث: على كل مسلم صدقة

عن أبي موسى، عن النبيّ ﷺ قال: «عَلَى كُلِّ مُسْلِم صَدَقَةٌ». فقالوا: يَا نَبِيَّ اللهِ!، فَمَنْ لَمْ يَجِدْ؟ قَالَ: «يَعْمَلُ بِيَدِهِ فَيْنَفَعُ نَفْسَهُ وَيَتَصَدَّقُ». قَالُوا: فَإِنْ لَمْ يَجِدْ؟ قَالَ: «يعِينُ ذَا الْحَاجَةِ الْمَلْهُوفَ». قَالُوا: فَإِنْ لَمْ يَجِدْ؟ قَالَ: «فَلْيَعْمَلْ بِالْمَعُروفِ وَليُمْسِكْ عَن الشَّرِّ فَإِنَّهَا لَهُ صَدَقَةٌ».

متفق عليه: رواه البخاريّ في الزكاة (١٤٤٥)، ومسلم في الزكاة (١٠٠٨) كلاهما من طريق شعبة، ثنا سعيد بن أبي بردة، عن أبيه، عن جدّه، فذكره.

تخريج الحديث كاملاً ⏬

شرح الحديث:

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد، فهذا حديث عظيم من أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم الذي يبين سعة رحمة الإسلام ويسره، وأنه لم يترك لأحد عذرًا في الخير، حتى من لم يجد المال يتصدق به.

شرح الحديث:

الراوي: هو الصحابي الجليل أبو موسى الأشعري رضي الله عنه، وهو عبد الله بن قيس، من كبار الصحابة وفضلائهم.
شرح المفردات:
* عَلَى كُلِّ مُسْلِم صَدَقَةٌ: "على" هنا للوجوب والإلزام، أي أن فعل الصدقة من الأمور الواجبة على كل مسلم ومسلمة، ولكن هذا الوجوب على سبيل الكفاية أو على سبيل الاستحباب المؤكد، وليس المقصود الصدقة الواجبة (كـزكاة المال) فهي لها شروطها الخاصة.
* فَمَنْ لَمْ يَجِدْ؟: أي من لم يجد المال ليتصدق به.
* يَعْمَلُ بِيَدِهِ: أي يكتسب بقوة بدنه وحرفه، كالزراعة أو النجارة أو البناء أو غيرها من المهن الشريفة.
* فَيْنَفَعُ نَفْسَهُ: فيكفي نفسه وأهله حاجتهم من طعام وشراب ومسكن، فيستغني عن سؤال الناس.
* وَيَتَصَدَّقُ: مما يفضل عن كفايته وكفاية من يعول.
* يعِينُ ذَا الْحَاجَةِ الْمَلْهُوفَ: "ذا الحاجة" هو المحتاج. "الملهوف" هو الذي ألمّت به شدة أو مصيبة أو عجز عن قضاء حاجته، فيساعده بقدر استطاعته.
* فَلْيَعْمَلْ بِالْمَعْرُوفِ: أي ليأمر بالمعروف، أو ليفعل أي فعل طيب يعرفه الناس خيرًا، كإرشاد ضال، أو إماطة أذى عن الطريق، أو كلمة طيبة.
* وَلْيُمْسِكْ عَنِ الشَّرِّ: وليكفّ نفسه عن فعل المنكرات والآثام والسيئات.
* فَإِنَّهَا لَهُ صَدَقَةٌ: أي أن هذه الأفعال كلها تُحسب له عند الله تعالى كأجر الصدقة.
شرح الحديث بإيجاز:
يبدأ النبي صلى الله عليه وسلم بتأكيد مبدأ عام وهو وجوب الصدقة على كل مسلم، مما أثار استفسار الصحابة عن حال من لا يملك مالًا ليتصدق به. فبيّن صلى الله عليه وسلم أن مفهوم الصدقة في الإسلام أوسع بكثير من مجرد إعطاء المال.
فقد جعل النبي صلى الله عليه وسلم الخيارات متدرجة بحسب قدرة الإنسان:
1- المرتبة الأولى (للذي يقدر على العمل): أن يعمل بيده فيكتسب رزقه ثم يتصدق من كسب يده. وهذا يحث على العمل والاكتساب الحلال وعدم الاتكال على الآخرين.
2- المرتبة الثانية (للذي لا يستطيع أن يعمل أو لا يجد فائضًا): أن يساعد غيره ممن هم في شدة وحاجة، كأن يحمل متاعه، أو يشفع له، أو ينصر مظلومًا. فالعون والمساعدة صدقة.
3- المرتبة الثالثة (وهي متاحة للجميع بلا استثناء): وهي أبسطها وأيسرها، وهي أن يفعل الخير ويترك الشر. فمجرد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أو حتى كف الأذى عن الناس، أو التبسم في وجه أخيك، كل ذلك صدقة يُثاب عليها المسلم.
الدروس المستفادة والعبر:
1- سعة مفهوم العبادة والصدقة في الإسلام: فالدين ليس قاصرًا على الشعائر التعبدية فحسب، بل كل عمل خير يقصد به وجه الله هو عبادة وصدقة.
2- التيسير ورفع الحرج: يريد الإسلام أن يكون أتباعه دائمي الاتصال بالخير، لذا لم يغلق باب الصدقة أمام فقير أو عاجز، بل فتح له أبوابًا أخرى متعددة.
3- الحث على العمل والكسب الحلال: في تقديم العمل باليد كأول بديل للصدقة المالية، إعلاء لقيمة العمل وتشجيع على الاعتماد على النفس وإغناءها عن سؤال الناس.
4- التكافل الاجتماعي: الحديث يبني مجتمعًا متعاونًا متكافلًا، حيث يساعد القوي الضعيف، ويغني الغني الفقير، وينصح الجميع بعضهم بعضًا.
5- أن ترك المعاصي صدقة: هذا من أعظم ما في الحديث، فكف الإنسان نفسه عن ظلم الآخرين أو أذيتهم أو غشهم هو في ذاته صدقة يتقرب بها إلى الله، لأنه حمى الناس من شره.
6- أن أبواب الخير لا تغلق أبدًا: فحتى من عجز عن جميع الأشياء السابقة، فباستطاعته أن يكف لسانه عن الغيبة والنميمة، أو يكف بصره عن النظر إلى المحرمات، ويكون له أجر الصدقة.
خاتمة:
هذا الحديث من جوامع كلم النبي صلى الله عليه وسلم، وهو يظهر عظمة هذا الدين وشموليته، حيث جعل الخير في متناول كل إنسان حسب طاقته واستطاعته، فلا يحقرن أحد منا أي عمل صالح، فإن الله لا يضيع أجر من أحسن عملًا.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

📝 تنبيه هام:

نرحب بتصويباتكم! إذا وجدت أي خطأ في نص الحديث أو السند أو الشرح، فيرجى إبلاغنا عبر صفحة الاتصال:

📧 التواصل للإبلاغ عن خطأ

"مَنْ سَنَّ فِي الإِسْلَامِ سُنَّةً حَسَنَةً فَلَهُ أَجْرُهَا وَأَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا"

تخريج الحديث

رواه البخاريّ في الزكاة (١٤٤٥)، ومسلم في الزكاة (١٠٠٨) كلاهما من طريق شعبة، ثنا سعيد بن أبي بردة، عن أبيه، عن جدّه، فذكره.
وقوله: «يعين ذا الحاجة الملهوف» الملهوف: المستغيث.

العودة إلى الأعلى

أحاديث لها شرح في هذا الكتاب (عرض 50 حديثاً حول الحديث الحالي)

الحديث الحالي في المركز 180 من أصل 379 حديثاً له شرح

معلومات عن حديث: على كل مسلم صدقة

📜 حديث: على كل مسلم صدقة

نص الحديث الشريف كاملاً مع ذكر الرواة وسند الحديث المتصل بسلسلة الإسناد الصحيحة حتى النبي محمد صلى الله عليه وسلم.
🔍 صحة حديث: على كل مسلم صدقة

تحليل درجة صحة الحديث من حيث السند والمتن وفق معايير علم الحديث، مع بيان حكم العلماء عليه من حيث القبول والرد.
📖 تخريج حديث: على كل مسلم صدقة

تخريج الحديث من مصادر السنة النبوية المعتمدة وكتب الصحاح والسنن، مع ذكر أماكن وروده في المصادر الحديثية المختلفة.
📚 شرح حديث: على كل مسلم صدقة

شرح وافي للمعاني والمفردات والفوائد المستنبطة من الحديث، مع بيان الأحكام الشرعية والعبر المستفادة لتطبيقها في الحياة العملية.

قراءة القرآن الكريم

سورة البقرة	آل عمران	سورة النساء
سورة المائدة	سورة يوسف	سورة ابراهيم
سورة الحجر	سورة الكهف	سورة مريم
سورة الحج	سورة القصص	العنكبوت
سورة السجدة	سورة يس	سورة الدخان
سورة الفتح	سورة الحجرات	سورة ق
سورة النجم	سورة الرحمن	سورة الواقعة
سورة الحشر	سورة الملك	سورة الحاقة
سورة الانشقاق	سورة الأعلى	سورة الغاشية